الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن طلقها الزوج واحدة أو اثنتين فنكحها زوج غيره وأصابها ثم بانت منه فنكحها الزوج الأول بعده . كانت عنده على ما بقي من طلاقها كهي قبل أن يصيبها زوج غيره يهدم الزوج المصيبها بعده الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين ، فإن قال قائل فقد قال غيرك إذا هدم [ ص: 267 ] الثلاث هدم الواحدة والثنتين فكيف لم تقل به ؟ قيل إن شاء الله تعالى استدلالا موجودا في حكم الله عز وجل فإن قال وأين ؟ قيل قال الله عز وجل { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى دل حكم الله عز وجل على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين والمطلقة ثلاثا وذلك أنه أبان أن المرأة يحل لمطلقها رجعتها من واحدة واثنتين فإذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلما لم يكن لزوج غيره حكم يحلها لمطلقها واحدة واثنتين إلا لأنها حلال إذا طلقت واحدة أو اثنتين قبل الزوج كان معنى نكاحه وتركه النكاح سواء ولما كانت المطلقة ثلاثا حراما على مطلقها الثلاث حتى تنكح زوجا غيره فكانت إنما تحل في حكم الله تبارك وتعالى اسمه بنكاحه كان له حكم بين أنها محرمة حتى ينكحها هذا الزوج الآخر فلم يجز أن يقاس ما له حكم بما لا حكم له وكان أصل الأمر أن المحرم إنما يحل للمرء بفعل نفسه كما يحرم عليه الحلال بفعل نفسه فلما حلت المطلقة ثلاثا بزوج غيره بعد مفارقتها نساء أهل الدنيا في هذا الحكم لم يجز أن يكون الزوج في غير الثلاث في هذا المعنى وكان في المعنى أنه لا يحل نكاحه للزوج المطلق واحدة واثنتين ولا يحرم شيئا لأن المرأة لم تحرم فتحل به وكان هو غير الزوج ولا يحل له شيء بفعل غيره ولا يكون لغيره حكم في حكمه إلا حيث جعله الله عز وجل الموضع الذي جعله الله تعالى مخالفا لهذا فلا يجوز أن يقاس عليه خلافه ، فإن قال فهل قال هذا أحد غيرك ؟ قيل نعم أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار أنهم سمعوا أبا هريرة يقول سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم انقضت عدتها فتزوجها رجل غيره ثم طلقها أو مات عنها ثم تزوجها زوجها الأول ؟ قال هي عنده على ما بقي .

( قال الشافعي ) : وإذا طلقت المرأة ثلاثا فنكحت زوجا فادعت أنه أصابها وأنكر الزوج أحلها ذلك الزوج لزوجها المطلقها ثلاثا ولم تأخذ من الذي أنكر إصابتها إلا نصفا تصدق على ما تحل به ولا تصدق على ما تأخذ من مال زوجها وهكذا لو لم يعلم الزوج الذي يطلقها ثلاثا أنها نكحت فذكرت أنها نكحت نكاحا صحيحا وأصيبت حلت له إذا جاءت عليها مدة يمكن فيها انقضاء عدتها منه ومن الزوج الذي ذكرت أنه أصابها ولو كذبها في هذا كله ثم صدقها كان له نكاحها والورع أن لا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كاذبة حتى يجد ما يدل على صدقها ولو أن رجلا شك في طلاق امرأته فلم يدر أطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فنكحت زوجا غيره فأصابها ثم طلقها فنكحها الزوج الأول ، ثم طلقها واحدة أو اثنتين فقالت قد أتى على جميع طلاقي لأنه لم يطلقني إلا واحدة أو اثنتين قبل نكاحي الزوج الآخر الذي نكحني بعد فراقك أو قاله بعض أهلها ولم تقله وأقر الزوج بأنه لم يدر أطلقها قبل نكاحها الزوج الآخر واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قيل له هي عندك على ما بقي من الطلاق فإن استيقن أنه طلقها قبل نكاحها الزوج واحدة فطلقها في هذا الملك واحدة أو اثنتين بنى على الطلاق الأول فإذا استكملت ثلاثا بالطلاق الذي قبل الزوج والطلاق الذي بعده فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وأجعلها تعتد في الطلاق الأول ما يستيقن وتطرح ما يشك فيه ولو قال بعد ما قال أشك في ثلاث أنا أستيقن أني طلقتها قبل الزوج ثلاثا أحلف على ذلك وكان القول قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية