الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 13 ] باب مكاتبة العبدين

( قال ) رضي الله عنه وإذا كاتب الرجل عبدين له مكاتبة واحدة على ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه على أنهما إن أديا عتقا وإن عجزا ردا في الرق فهو جائز استحسانا وقد بيناه في العتاق فإن أدى أحدهما جميع الألف عتقا لوصول جميع المال إلى المولى ; ولأن أداء أحدهما كأدائهما فإن كل واحد منهما مطالب بجميع المال وهما كشخص واحد في حكم الأداء حتى ليس للمولى أن يأبى قبول المال من أحدهما ، ثم يرجع المؤدي على صاحبه بحصته حتى إذا كانت قيمتهما سواء رجع بنصفه ; لأنه تحمل عنه بأمره ، وكذلك لو أدى أحدهما شيئا رجع على صاحبه بنصفه قل ذلك أو كثر اعتبارا للبعض بالكل ، بخلاف مال على حرين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فإن أدى أحدهما هناك النصف يكون عن نفسه خاصة ; لأنه في النصف أصيل ، والمال على الأصيل أقوى منه على الكفيل وصرف المؤدى إلى الأقوى ممكن ; لأنه يجوز الحكم ببراءة ذمة أحدهما عن نصيبه قبل براءة الآخر .

وهنا لا يمكن جعل المؤدى من نصيب المؤدي خاصة ; لأنه إذا جعل كذلك برئت ذمته عما عليه من البدل فيعتق ، والحكم بعتق أحدهما قبل وصول جميع المال إلى المولى متعذر فلهذا جعلنا المؤدى عنهما فيرجع على صاحبه بنصفه ، وللسيد أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال ; لأن كل واحد منهما التزم جميع المال على أن يكون أصيلا في النصف كفيلا في النصف وإن مات أحدهما لم يسقط عن الحي شيء منها ; لأنه مات عن كفيل فيبقى عقد الكتابة في حق الميت ببقاء كفيله ، ولأن الحي منهما محتاج إلى تحصيل العتق لنفسه ولا يتوصل إلى ذلك إلا بأداء جميع المال فلحاجته بقي مطالبا بجميع المال ، وإن أدى يحكم بعتقهما جميعا ، وإن أعتق المولى أحدهما تسقط حصته لوقوع الاستغناء له بإعتاق المولى إياه ولأن المولى بإعتاقه إياه يصير مبرئا له عن حصته من بدل الكتابة وإبراء الأصيل إبراء الكفيل أو يجعل إعتاقه كقبض حصته من البدل منه بطريق أنه أتلفه بتصرفه فلهذا يعتق الآخر بأداء حصته من البدل .

ولو كانتا أمتين فولدت إحداهما وأعتق السيد ولدها لم يسقط شيء من المال عنهما ; لأن الولد تبع لا يقابله شيء من البدل ، والمولى بإعتاقه لا يكون مبرئا ولا يكون قابضا لشيء من بدل الكتابة ، والمسألة على ثلاثة أوجه : أحدها ما بينا .

والثاني [ ص: 14 ] أن يكاتبهما على ألف درهم مكاتبة واحدة ولم يزد على هذا وفي هذا إذا أدى أحدهما حصته من المال يعتق ; لأن المولى حين أوجب العقد لهما ببدل واحد فقط شرط على كل واحد منهما حصته من المال وكذلك هما بالقبول إنما يلتزم كل واحد منهما حصته فلا يكون للمولى أن يطالب كل واحد منهما إلا بقدر حصته وبالأداء برئت ذمته فيحكم بحريته .

والثالث : أن يقول المولى إذا أديا عتقا وإن عجزا ردا في الرق ولا يذكر كفالة كل واحد منهما عن صاحبه فعند زفر رحمه الله تعالى جواب هذا الفصل كجواب الثاني يعتق أحدهما بأداء حصته ; لأن كل واحد منهما لم يلتزم بالقبول إلا حصته ألا ترى أنه ليس للمولى أن يطالب أحدهما بجميع المال ، وأن أحدهما إذا أدى جميع المال لم يرجع على صاحبه بشيء بخلاف ما إذا شرط كفالة كل واحد منهما عن صاحبه ولكنا نقول لا يعتق واحد منهما ما لم يصل جميع المال إلى المولى ; لأن ما شرط المولى في العقد يجب مراعاته إذا كان صحيحا شرعا وقد شرط العتق عند أدائهما جميع المال نصا فلو عتق إحداهما بأداء حصته كان مخالفا لشرطه ; ولأن كلام العاقل محمول على الفائدة ما أمكن ولو عتق أحدهما بأداء حصته لم يبق لقول المولى إن أديا عتقا وإن عجزا ردا

فائدة وما استدل به زفر رحمه الله تعالى ممنوع فإن عندنا هذا كالفصل الأول في جميع الأحكام فلهذا قلنا ما لم يصل جميع المال إلى المولى لم يعتق واحد منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية