الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 81 ] 295 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : أمرت بقرية تأكل القرى

1825 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالك بن أنس حدثه ، عن يحيى بن سعيد ، قال : سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول :

سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بقرية تأكل القرى يقولون : يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد " .

1826 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ومالك بن أنس ، أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثهما أن أبا الحباب سعيد بن يسار حدثه .

أنه سمع أبا هريرة يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمرت بقرية تأكل القرى يقال لها : يثرب وهي المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير الخبث . إلا أن مالكا قال : قال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 82 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم : أمرت بقرية ، على معنى أمرت بالهجرة إلى قرية .

ووجدنا قوله صلى الله عليه وسلم : تأكل القرى ، بمعنى قوله : يأكل أهلها القرى ، كما قال عز وجل : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ، بمعنى : وضرب الله مثلا قرية كان أهلها آمنين مطمئنين ، وكان ذكر القرية في هذا كناية عن أهلها ، وأهلها المرادون بما ذكر فيها لا هي ، والدليل على ذلك قوله عز وجل بما كانوا يصنعون والقرية لا صنع لها ، وقوله : فكفرت بأنعم الله والقرية لا كفر لها ، وقوله عز وجل: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف والقرية لا تذاق من ذلك شيئا . وقوله جل وعز : ولقد جاءهم رسول منهم فدل ذلك أن ما قبل هذا من قوله مراد به أهل القرية لا القرية كقوله عز وجل : واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها بمعنى : واسأل أهل القرية التي كنا فيها واسأل أهل العير التي أقبلنا فيها .

ووجدنا قوله صلى الله عليه وسلم : تأكل القرى ، بمعنى قوله تفتح القرى أي يفتح أهلها القرى .

ووجدنا قوله صلى الله عليه وسلم : تأكل بمعنى تقدر كقول الله : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ليس يعني بذلك آكليها دون محتجبيها عن اليتامى لا بأكل لها وكقوله عز وجل : ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا بمعنى قوله : تغلبوا عليها إسرافا على أنفسكم وبدارا أن يكبروا ، فيقيمون عليكم الحجة فيها ، [ ص: 83 ] فينتزعونها منكم لأنفسهم ، فكان الأكل فيما ذكرنا يراد به الغلبة على الشيء ؛ لأن كل آكل لشيء غالب عليه ، فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : تأكل القرى ، يعني أهلها هو بمعنى : تقدر على أهل القرى بافتتاح أهلها تلك القرى وغلبتهم عليها وعلى أهلها ، وقد كان ذلك منهم رضوان الله عليهم حتى أظهر الله نبيه صلى الله عليه وسلم على الدين كله ، وقد كان مالك بن أنس يفسر : تأكل القرى بمثل ما فسرناه به .

كما .

حدثنا يونس ، قال : قال لنا ابن وهب : سمعت مالكا يقول في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم : تأكل القرى قال : تفتح القرى .

فهذا موافق لما قد ذكرناه في ذلك من التأويل الذي تأولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عليه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية