nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب [ ص: 222 ] روي عن
قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فنزل قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28974قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وقال الأستاذ الإمام ما معناه : إن الكلام متصل بما قبله - صح ما قيل في سبب النزول أم لم يصح - والكلام في حال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من خوطبوا بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب ، فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، كما أنكر أمثالهم على الأنبياء قبله ، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل ، وقد عهد في غير موضع من القرآن تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام بيان عناد المنكرين ومكابرة الجاحدين وتذكيره بقدرته - تعالى - على نصره وإعلاء كلمة دينه ، فهذه الآية من هذا القبيل كأنه يقول له : إذا تولى هؤلاء الجاحدون عن بيانك ولم ينظروا في برهانك وظل المشركون منهم على جهلهم وأهل الكتاب في غرورهم فعليك أن تلجأ إلى الله - تعالى - وترجع إليه بالدعاء والثناء ، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء ، وهذا يناسب ما تقدم في الرد على
نصارى نجران من أمره بالالتجاء إليه - سبحانه - بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله .
قال : وعلى هذا التفسير يصح أن يكون الملك بمعنى النبوة أو لازمها ، ولا شك أن النبوة ملك كبير لأن سلطانها على الأجساد والأرواح على الظاهر والباطن ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=54فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما [ 4 : 54 ] فإن لم يكن هذا الملك عين النبوة فهو لازمها ، ونزع الملك على هذا القول عبارة عن نزعه من الأمة التي كان يبعث فيها الأنبياء كأمة إسرائيل فقد نزعت منها النبوة ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويمكن أن يفسر النزع هنا بالحرمان ; فإنه - تعالى - يعطي النبوة من يشاء ويحرم منها من يشاء ، فإن قيل : إن النزع إنما يكون لشيء قد وجد ، صح أن يجاب عنه بأن هذا على حد قوله - تعالى - حكاية عن لسان الرسل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها [ 7 : 89 ] فإنهم لم يكونوا في ملتهم ، إذ يستحيل الكفر على الأنبياء - هذا سياقه - وقد تبع فيه
الإمام الرازي إلا أنه زاد عليه كلمة " أو لازمها " والتمثيل غير ظاهر على المعنى الثاني ، والآية حكاية عن
شعيب - عليه السلام - وهي جواب عن قول قومه :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=88لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا [ 7 : 88 ] فهم قد طلبوا منه وممن آمن معه أن يعودوا في ملتهم وكان أولئك المؤمنون في ملتهم ، ففي جوابه - عليه السلام - تغليب للأكثر وهو متعين .
ومثل
الرازي أيضا بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور [ 2 : 257 ] وفيه ما فيه .
أقول : والظاهر المتبادر أن المراد بالملك السلطة والتصرف في الأمور ، والله - سبحانه
[ ص: 223 ] وتعالى - صاحب السلطان الأعلى والتصرف المطلق في تدبير الأمر وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات ، فهو يؤتي الملك في بعض البلاد من يشاء من عباده ، إما بالتبع لما يختصهم به من النبوة كما وقع لآل
إبراهيم ، وإما بسيرهم على سننه الحكيمة الموصلة إلى ذلك بأسبابه الاجتماعية كتكوين العصبيات كما وقع لكثير من الناس ، وينزعه ممن يشاء من الأفراد ومن الأسر والعشائر والفصائل والشعوب بتنكبهم سننه الحافظة للملك ، كالعدل وحسن السياسة وإعداد المستطاع من القوة كما نزعه من
بني إسرائيل ومن غيرهم بالظلم والفساد ، ذلك أننا لا نعرف ما قضت به مشيئته - عز وجل - إلا من الواقع ; لأنه لا يقع في الوجود إلا ما يشاء ، وقد نظرنا فيما وقع للغابرين والحاضرين ومحصنا أسبابه فألفيناها ترجع إلى سنن مطردة كما قال في هذه السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=137قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا [ 3 : 137 ] الآية . وبين بعض هذه السنن في نزع الملك ممن يشاء وإيتائه من يشاء بمثل قوله - تعالى - من سورة إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=13وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم [ 14 : 13 ، 14 ] وقد فصلنا هذا المعنى في سورة البقرة أفضل تفصيل فليراجع الآية ( 247 ) من شاء ، وبهذا يظهر وجه اتصال الآية بما قبلها وكونها بمثابة الدليل لقوله السابق :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=12قل للذين كفروا ستغلبون فهي تتضمن تأكيد الوعد بنصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغلب أعدائه من أهل الكتاب والمشركين .
وقد قال
أبو سفيان للعباس يوم رأى جيش المسلمين زاحفا إلى
مكة : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقال
العباس - رضي الله عنه - : كلا إنها النبوة ، وكان
أبو سفيان يعني أن الأمر كله تأسيس ملك وما كان الملك مقصودا ، ولكنه جاء معناه ، والمراد منه تابعا لا أصلا ، والفرق عظيم ، والغرض من النبوة غير الغرض من الملك ; ولذلك لم يسم الصحابة من جعلوه رئيس ملكهم ومرجع سياستهم ملكا ، بل سموه خليفة .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وتعز من تشاء وتذل من تشاء العز والذل معروفان ، ومن آثار الأول : حماية الحقيقة ونفاذ الكلمة ، ومن أسبابه كثرة الأعوان وملك القلوب بالجاه والعلم النافع للناس وسعة الرزق مع التوفيق للإحسان ، ومن آثار الثاني : الضعف عن الحماية ، والرضى بالضيم والمهانة - كذا قال الأستاذ الإمام - وقد يكون الضعف سببا وعلة للذل لا أثرا معلولا وهو غالب ، ولا تلازم بين العز والملك ، فقد يكون الملك ذليلا إذا ضعف استقلاله بسوء السياسة وفساد التدبير ، حتى صارت الدول الأخرى تفتات عليه كما هو مشاهد ، وكم من ذليل في مظهر عزيز ، وكم من أمير أو ملك يغر الأغرار ما يرونه فيه من الأبهة والفخفخة فيحسبون أنه عزيز كريم وهو في نفسه ذليل مهين ، فمثله كمثل ملوك ملاهي التمثيل ( التياترات ) والتشبيه للأستاذ الإمام .
[ ص: 224 ] هذا ولا عز أعلى من عز الاجتماع والتعاون على نشر دعوة الحق ومقاومة الباطل إذا اتبع المجتمعون سنة الله - تعالى - فأعدوا لكل أمر عدته ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=32427_32426كان المشركون في مكة واليهود ومنافقو العرب في المدينة يعتزون بكثرتهم على النبي والمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون [ 63 : 8 ] فعسى أن يعتبر المسلمون في هذا الزمان بهذا ويفقهوا معنى كون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ويحاسبوا أنفسهم وينصفوا منها ليعلموا مكانهم من الإيمان الذي حكم الله لصاحبه بالعزة
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [ 47 : 24 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ ص: 222 ] رُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مُلْكَ فَارِسَ وَالرُّومِ فِي أُمَّتِهِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28974قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ : إِنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ - صَحَّ مَا قِيلَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَمْ لَمْ يَصِحَّ - وَالْكَلَامُ فِي حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَنْ خُوطِبُوا بِالدَّعْوَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، فَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يُنْكِرُونَ النُّبُوَّةَ لِرَجُلٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ، كَمَا أَنْكَرَ أَمْثَالُهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ كَانُوا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ آلِ إِسْرَائِيلَ ، وَقَدْ عُهِدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ تَسْلِيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَقَامِ بَيَانِ عِنَادِ الْمُنْكِرِينَ وَمُكَابَرَةِ الْجَاحِدِينَ وَتَذْكِيرُهُ بِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - عَلَى نَصْرِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ دِينِهِ ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ : إِذَا تَوَلَّى هَؤُلَاءِ الْجَاحِدُونَ عَنْ بَيَانِكَ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي بُرْهَانِكَ وَظَلَّ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ عَلَى جَهْلِهِمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فِي غُرُورِهِمْ فَعَلَيْكَ أَنْ تَلْجَأَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَرْجِعَ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ ، وَتَتَذَكَّرَ أَنَّهُ بِيَدِهِ الْأَمْرُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وَهَذَا يُنَاسِبُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ عَلَى
نَصَارَى نَجْرَانَ مِنْ أَمْرِهِ بِالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ .
قَالَ : وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلْكُ بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ أَوْ لَازِمِهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُلْكٌ كَبِيرٌ لِأَنَّ سُلْطَانَهَا عَلَى الْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=54فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [ 4 : 54 ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُلْكُ عَيْنَ النُّبُوَّةِ فَهُوَ لَازِمُهَا ، وَنَزْعُ الْمُلْكِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عِبَارَةٌ عَنْ نَزْعِهِ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي كَانَ يُبْعَثُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ كَأُمَّةِ إِسْرَائِيلَ فَقَدْ نُزِعَتْ مِنْهَا النُّبُوَّةُ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ النَّزْعُ هُنَا بِالْحِرْمَانِ ; فَإِنَّهُ - تَعَالَى - يُعْطِي النُّبُوَّةَ مَنْ يَشَاءُ وَيَحْرِمُ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ النَّزْعَ إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ قَدْ وُجِدَ ، صَحَّ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ لِسَانِ الرُّسُلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [ 7 : 89 ] فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي مِلَّتِهِمْ ، إِذْ يَسْتَحِيلُ الْكُفْرُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - هَذَا سِيَاقُهُ - وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ
الْإِمَامُ الرَّازِيُّ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ كَلِمَةَ " أَوْ لَازِمِهَا " وَالتَّمْثِيلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي ، وَالْآيَةُ حِكَايَةٌ عَنْ
شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ قَوْمِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=88لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [ 7 : 88 ] فَهُمْ قَدْ طَلَبُوا مِنْهُ وَمِمَّنْ آمَنَ مَعَهُ أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ وَكَانَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ فِي مِلَّتِهِمْ ، فَفِي جَوَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَغْلِيبٌ لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ .
وَمَثَّلَ
الرَّازِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [ 2 : 257 ] وَفِيهِ مَا فِيهِ .
أَقُولُ : وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلْكِ السُّلْطَةُ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْأُمُورِ ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ
[ ص: 223 ] وَتَعَالَى - صَاحِبُ السُّلْطَانِ الْأَعْلَى وَالتَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ فِي تَدْبِيرِ الْأَمْرِ وَإِقَامَةِ مِيزَانِ النِّظَامِ الْعَامِّ فِي الْكَائِنَاتِ ، فَهُوَ يُؤْتِي الْمُلْكَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، إِمَّا بِالتَّبَعِ لِمَا يَخْتَصُّهُمْ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ كَمَا وَقَعَ لِآلِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَإِمَّا بِسَيْرِهِمْ عَلَى سُنَنِهِ الْحَكِيمَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذَلِكَ بِأَسْبَابِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَتَكْوِينِ الْعَصَبِيَّاتِ كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنَ الْأَفْرَادِ وَمِنَ الْأُسَرِ وَالْعَشَائِرِ وَالْفَصَائِلِ وَالشُّعُوبِ بِتَنَكُّبِهِمْ سُنَنَهُ الْحَافِظَةَ لِلْمُلْكِ ، كَالْعَدْلِ وَحُسْنِ السِّيَاسَةِ وَإِعْدَادِ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ كَمَا نَزَعَهُ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ غَيْرِهِمْ بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ ، ذَلِكَ أَنَّنَا لَا نَعْرِفُ مَا قَضَتْ بِهِ مَشِيئَتُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَّا مِنَ الْوَاقِعِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا مَا يَشَاءُ ، وَقَدْ نَظَرْنَا فِيمَا وَقَعَ لِلْغَابِرِينَ وَالْحَاضِرِينَ وَمَحَّصْنَا أَسْبَابَهُ فَأَلْفَيْنَاهَا تَرْجِعُ إِلَى سُنَنٍ مُطَّرِدَةٍ كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=137قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا [ 3 : 137 ] الْآيَةَ . وَبَيَّنَ بَعْضَ هَذِهِ السُّنَنِ فِي نَزْعِ الْمُلْكِ مِمَّنْ يَشَاءُ وَإِيتَائِهِ مَنْ يَشَاءُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=13وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ [ 14 : 13 ، 14 ] وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَفْضَلَ تَفْصِيلٍ فَلْيُرَاجِعِ الْآيَةَ ( 247 ) مَنْ شَاءَ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ اتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَكَوْنُهَا بِمَثَابَةِ الدَّلِيلِ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=12قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ فَهِيَ تَتَضَمَّنُ تَأْكِيدَ الْوَعْدِ بِنَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَلْبِ أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ .
وَقَدْ قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ يَوْمَ رَأَى جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ زَاحِفًا إِلَى
مَكَّةَ : لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا ، فَقَالَ
الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : كَلَّا إِنَّهَا النُّبُوَّةُ ، وَكَانَ
أَبُو سُفْيَانَ يَعْنِي أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ تَأْسِيسُ مُلْكٍ وَمَا كَانَ الْمُلْكُ مَقْصُودًا ، وَلَكِنَّهُ جَاءَ مَعْنَاهُ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ تَابِعًا لَا أَصْلًا ، وَالْفَرْقُ عَظِيمٌ ، وَالْغَرَضُ مِنَ النُّبُوَّةِ غَيْرُ الْغَرَضِ مِنَ الْمُلْكِ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابَةُ مَنْ جَعَلُوهُ رَئِيسَ مُلْكِهِمْ وَمَرْجِعَ سِيَاسَتِهِمْ مَلِكًا ، بَلْ سَمَّوْهُ خَلِيفَةً .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ الْعِزُّ وَالذُّلُّ مَعْرُوفَانِ ، وَمِنْ آثَارِ الْأَوَّلِ : حِمَايَةُ الْحَقِيقَةِ وَنَفَاذُ الْكَلِمَةِ ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ كَثْرَةُ الْأَعْوَانِ وَمِلْكُ الْقُلُوبِ بِالْجَاهِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ لِلنَّاسِ وَسَعَةُ الرِّزْقِ مَعَ التَّوْفِيقِ لِلْإِحْسَانِ ، وَمِنْ آثَارِ الثَّانِي : الضَّعْفُ عَنِ الْحِمَايَةِ ، وَالرِّضَى بِالضَّيْمِ وَالْمَهَانَةِ - كَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - وَقَدْ يَكُونُ الضَّعْفُ سَبَبًا وَعِلَّةً لِلذُّلِّ لَا أَثَرًا مَعْلُولًا وَهُوَ غَالِبٌ ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْعِزِّ وَالْمُلْكِ ، فَقَدْ يَكُونُ الْمَلِكُ ذَلِيلًا إِذَا ضَعُفَ اسْتِقْلَالُهُ بِسُوءِ السِّيَاسَةِ وَفَسَادِ التَّدْبِيرِ ، حَتَّى صَارَتِ الدُّوَلُ الْأُخْرَى تَفْتَاتُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ ، وَكَمْ مِنْ ذَلِيلٍ فِي مَظْهَرِ عَزِيزٍ ، وَكَمْ مِنْ أَمِيرٍ أَوْ مَلِكٍ يَغُرُّ الْأَغْرَارَ مَا يَرَوْنَهُ فِيهِ مِنَ الْأُبَّهَةِ وَالْفَخْفَخَةِ فَيَحْسَبُونَ أَنَّهُ عَزِيزٌ كَرِيمٌ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ذَلِيلٌ مَهِينٌ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ مُلُوكِ مَلَاهِي التَّمْثِيلِ ( التَّيَاتْرَاتِ ) وَالتَّشْبِيهُ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ .
[ ص: 224 ] هَذَا وَلَا عِزَّ أَعْلَى مِنْ عِزِّ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى نَشْرِ دَعْوَةِ الْحَقِّ وَمُقَاوَمَةِ الْبَاطِلِ إِذَا اتَّبَعَ الْمُجْتَمِعُونَ سُنَّةَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَأَعَدُّوا لِكُلِّ أَمْرٍ عُدَّتَهُ ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=32427_32426كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ وَالْيَهُودُ وَمُنَافِقُو الْعَرَبِ فِي الْمَدِينَةِ يَعْتَزُّونَ بِكَثْرَتِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [ 63 : 8 ] فَعَسَى أَنْ يَعْتَبِرَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِهَذَا وَيَفْقَهُوا مَعْنَى كَوْنِ الْعِزَّةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَيُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ وَيُنْصِفُوا مِنْهَا لِيَعْلَمُوا مَكَانَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ بِالْعِزَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [ 47 : 24 ] .