الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3575 ) فصل : إذا ضمن الدين الحال مؤجلا ، صح ، ويكون حالا على المضمون عنه مؤجلا على الضامن ، يملك مطالبة المضمون عنه دون الضامن . وبهذا قال الشافعي . قال أحمد ، في رجل ضمن ما على فلان أن يؤديه في ثلاث سنين : فهو عليه ، ويؤديه كما ضمن .

                                                                                                                                            ووجه ذلك : ما روى ابن عباس { ، أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندي شيء أعطيكه . فقال : والله لا أفارقنك حتى تقضيني أو [ ص: 350 ] تأتيني بحميل ، فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : كم تستنظره ؟ قال : شهرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنا أحمل . فجاء به في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من أين أصبت هذا ؟ قال : من معدن . قال : لا خير فيها . وقضاها عنه . }

                                                                                                                                            رواه ابن ماجه ، في " سننه " . ولأنه ضمن مالا بعقد مؤجل ، فكان مؤجلا كالبيع .

                                                                                                                                            فإن قيل : فعندكم الدين الحال لا يتأجل ، فكيف يتأجل على الضامن ؟ أم كيف يثبت في ذمة الضامن على غير الوصف الذي يتصف به في ذمة المضمون عنه ؟ قلنا : الحق يتأجل في ابتداء ثبوته ، إذا كان بعقد ، وهذا ابتداء ثبوته في حق الضامن ، فإنه لم يكن ثابتا عليه حالا ، ويجوز أن يخالف ما في ذمة الضامن ما في ذمة المضمون عنه ، بدليل ما لو مات المضمون عنه والدين مؤجل .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، وكان الدين مؤجلا إلى شهر ، فضمنه إلى شهرين ، لم يكن له مطالبة الضامن إلى شهرين ، فإن قضاه قبل الأجل ، فله الرجوع به في الحال ، على الرواية التي تقول : إنه إذا قضى دينه بغير إذن رجع به ; لأن أكثر ما فيه هاهنا ، أنه قضى بغير إذن . وعلى الرواية الأخرى ، لا يرجع به قبل الأجل ; لأنه لم يأذن له في القضاء قبل ذلك .

                                                                                                                                            وإن كان الدين مؤجلا فضمنه حالا ، لم يصر حالا ، ولا يلزمه أداؤه قبل أجله ; لأن الضامن فرع للمضمون عنه ، فلا يلزمه ما لا يلزم المضمون عنه ، ولأن المضمون عنه لو ألزم نفسه تعجيل هذا الدين ، لم يلزمه تعجيله ، فبأن لا يلزم الضامن أولى ، ولأن الضمان التزام دين في الذمة ، فلا يجوز أن يلتزم ما لا يلزم المضمون عنه .

                                                                                                                                            فعلى هذا ، إن قضاه حالا ، لم يرجع به قبل أجله ; لأن ضمانه لم يغيره عن تأجيله . والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها ، أن الدين الحال ثابت في الذمة ، مستحق القضاء في جميع الزمان ، فإذا ضمنه مؤجلا فقد التزم بعض ما يجب على المضمون عنه ، فصح ، كما لو كان الدين عشرة ، فضمن خمسة ، وأما الدين المؤجل ، فلا يستحق قضاؤه إلا عند أجله ، فإذا ضمنه حالا التزم ما لم يجب على المضمون ، فأشبه ما لو كان الدين عشرة فضمن عشرين . وقيل : يحتمل أن يصح ضمان الدين المؤجل حالا ، كما يصح ضمان الحال مؤجلا ، قياسا لإحداهما على الأخرى . وقد فرقنا بينهما بما يمنع القياس ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية