الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله

                                                                                                                                                                                                                                      أي : لشدة هوله وضعف الخلائق ، كما تقدم في قوله تعالى : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه [ 80 \ 34 - 35 ] ، وقوله : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [ 80 \ 37 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ولحديث الشفاعة : " كل نبي يقول : نفسي نفسي ، إلى أن تنتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول : " أنا لها " .

                                                                                                                                                                                                                                      وحديث فاطمة : " اعملي . . . . " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [ 2 \ 255 ] ، ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : والأمر يومئذ لله ، ظاهر هذه الآية تقييد الأمر بالظرف المذكور ، ولكن الأمر لله في ذلك اليوم ، وقيل ذلك اليوم ، كما في قوله تعالى : لله الأمر من قبل ومن بعد [ 30 \ 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ألا له الخلق والأمر [ 7 \ 54 ] ، أي : يتصرف في خلقه بما يشاء من أمره لا يشركه أحد ، كما لا يشركه أحد في خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                      ولذا قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : قل إن الأمر كله لله [ 3 \ 154 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال : ليس لك من الأمر شيء [ 3 \ 128 ] ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن جاء الظرف هنا لزيادة تأكيد ، لأنه قد يكون في الدنيا لبعض الناس بعض الأوامر ، كما في مثل قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة [ 20 \ 132 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ 4 \ 59 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد [ 11 \ 97 ] ، وهي كلها في الواقع أوامر نسبية : " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " [ 76 \ 30 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 453 ] ولكن يوم القيامة حقيقة الأمر كله ، والملك كله لله تعالى وحده ; لقوله تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 16 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فلا أمر مع أمره ، ولا متقدم عليه حتى ولا بكلمة ، إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، وهو كقوله : الملك يومئذ الحق للرحمن [ 25 \ 26 ] ، مع أن هنا في الدنيا ملوكا ، كما في قصة يوسف : وقال الملك ائتوني به [ 12 \ 50 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قصة الخضر وموسى : وكان وراءهم ملك [ 18 \ 79 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أما يوم القيامة فيكونون كما قال تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم [ 6 \ 94 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله : هلك عني سلطانيه [ 69 \ 29 ] ، فقد ذهب كل سلطان وكل ملك ، والملك يومئذ لله الواحد القهار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية