الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو صغيرا ) جدا في ماله لا على أبيه إلا إذا كان ضمنها كما مر في المهر ( لا يقدر على الوطء ) [ ص: 574 ] ; لأن المانع من قبله ( أو فقيرا ولو ) كانت ( مسلمة أو كافرة أو كبيرة أو صغيرة تطيق الوطء ) أو تشتهي للوطء فيما دون الفرج ، حتى لو لم تكن كذلك كان المانع منها فلا نفقة كما لو كانا صغيرين ( فقيرة أو غنية موطوءة أو لا ) كأن كان الزوج صغيرا أو كانت رتقاء أو قرناء أو معتوهة أو كبيرة لا توطأ ، وكذا صغيرة تصلح للخدمة أو للاستئناس ( إن أمسكها في بيته عند الثاني واختاره في التحفة ; ولو منعت نفسها للمهر ) دخل بها أو لا ولو كله مؤجلا عند الثاني وعليه الفتوى كما في البحر والنهر ، وارتضاه محشي الأشباه ; لأنه منع بحق فتستحق النفقة ( بقدر حالهما ) به يفتى ، - [ ص: 575 ] ويخاطب بقدر وسعه والباقي دين إلى الميسرة ، ولو موسرا وهي فقيرة لا يلزمه أن يطعمها مما يأكل بل يندب .

التالي السابق


مطلب لا تجب على الأب نفقة زوجة ابنه الصغير ( قوله في ماله لا على أبيه إلخ ) كذا في كافي الحاكم الشهيد ، حيث قال : فإن كان صغيرا لا مال له لم يؤخذ أبوه بنفقة زوجته إلا أن يكون ضمنها . ا هـ . وفي الخانية : وإن كانت كبيرة وليس للصغير مال لا تجب على الأب نفقتها ، ويستدين الأب عليه ثم يرجع على الابن إذا أيسر . ا هـ . وعزاه في البحر والنهر إلى الخلاصة أيضا . قال الرملي : ومثله في الزيلعي وكثير من الكتب . ا هـ . قلت : وبه جزم المصنف والشارح في باب المهر . وأنت خبير أن الكافي هو نص المذهب ولا سيما وأكثر الكتب عليه ، فيقدم على ما سيذكره الشارح في الفروع عن المختار والملتقى من وجوبها على أبيه إلا أن يحمل على وجوب الاستدانة ليرجع تأمل .

[ تنبيه ] قال في الشرنبلالية بعد نقله ما في الخانية أقول : هذا إذا كان في تزويج الصغير مصلحة ، ولا مصلحة في تزويج قاصر مرضع بالغة حد الشهوة وطاقة الوطء بمهر كثير ولزوم نفقة يقررها القاضي فتستغرق ماله إن كان أو يصير ذا دين كثير ونص المذهب أنه إذا عرف الأب بسوء الاختيار مجانة أو فسقا فالعقد باطل اتفاقا صرح به في البحر وغيره وقدمه المصنف في باب الولي . ا هـ .

قلت : المصرح به في المتون والشروح أن للأب تزويج الصغير والصغيرة غير كفء وبدون مهر المثل بغبن فاحش ; لأن كمال شفقة الأب دليل على وجود المصلحة ما لم يكن سكران أو معروفا بسوء الاختيار ; لأن ذلك دليل على عدم تأمله في المصلحة ; وأنت خبير بأن الشرط أن لا يكون معروفا بسوء الاختيار قبل العقد فلا يثبت سوء اختياره بمجرد العقد المذكور ، وإلا لزم أن لا يتصور صحة عقده بالغبن الفاحش ولغير الكفء كما مر تقريره في باب [ ص: 574 ] الولي . فظهر أنه إذا لم يكن معروفا بذلك وزوج طفله امرأة صح ذلك مطلقا كما هو المنصوص في عامة كتب المذهب إقامة لشفقته مقام المصلحة فافهم ( قوله ; لأن المانع من قبله ) دخل في هذا المجبوب والعنين والمريض الذي لا يقدر على الجماع كما صرح به في الهندية ( قوله أو فقيرا ) ليس عنده قدر النفقة لزوجته منح ، فتستدين عليه بأمر القاضي ط وسيأتي ( قوله ولو مسلمة أو كافرة ) الأولى إسقاط مسلمة ( قوله تطيق الوطء ) أي منه أو من غيره كما يفيده كلام الفتح وأشار إلى ما في الزيلعي من تصحيح عدم تقديره بالسن ، فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو صغيرة السن ( قوله أو تشتهي للوطء فيما دون الفرج ) ; لأن الظاهر أن من كانت كذلك فهي مطيقة للجماع في الجلة وإن لم تطقه من خصوص زوج مثلا فتح ( قوله فلا نفقة ) أي ما لم يمسكها في بيته للخدمة أو الاستئناس كما يأتي قريبا ( قوله كما لو كانا صغيرين ) ; لأن المانع من الوطء وجد منها ووجوده منه أيضا لا يضر بعد عدم وجود التسليم الموجب ، للنفقة منها ( قوله موطوءة أو لا ) أي سواء دخل بها أم لا ( قوله كأن كان الزوج إلخ ) تمثيل لقوله أو لا أفاد به أن عدم وطئها لا فرق فيه بين أن يكون لا مانع منه أصلا أو له مانع من جهته أو من جهتها وهي مشتهاة كالقرناء ونحوها ; لأن المعتبر في إيجاب النفقة الاحتباس لانتفاع مقصود من وطء أو من دواعيه ، ولذا وجبت لصغيرة تشتهي للجماع فيما دون الفرج كما مر فافهم ( قوله أو معتوهة ) في التتارخانية : المجنونة لها النفقة إذا لم تمنع نفسها بغير حق ( قوله وكذا صغيرة ) أي لا تشتهي أصلا ولو للجماع فيما دون الفرج وإلا لزمه نفقتها أمسكها أو لا كما مر آنفا .

( قوله إن أمسكها في بيته ) وإن ردها فلا نفقة لها بدائع . وحاصله أنه مخير . أما في مسألة المشتهاة فلا تخيير بل يلزمه نفقتها مطلقا كما علمته فافهم ( قوله ولو منعت نفسها للمهر ) أي الذي تعورف تقديمه ; لأنه منع يحق لتقصير من جهته فلا تسقط النفقة به زيلعي ( قوله دخل بها أو لا ) تعميم للمنع : أي لها النفقة بالمنع المذكور سواء كان قبل الدخول أو بعده ، لكن عند أبي يوسف يسقط حقها في المنع إذا دخل بها برضاها ( قوله وعليه الفتوى ) أي استحسانا ; لأنه لما طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع . وفي الخلاصة أن الأستاذ ظهير الدين كان يفتي بأنه ليس لها الامتناع والصدر الشهيد كان يفتي بأن لها ذلك . ا هـ فقد اختلف الإفتاء بحر من باب المهر ، وقدمنا هناك أن الاستحسان مقدم ، فلذا جزم به الشارح . وفي البحر عن الفتح وهذا كله إذا لم يشترط الدخول قبل حلول الأجل ، فلو شرطه ورضيت به ليس لها الامتناع على قول الثاني . ا هـ . وتمام الكلام قدمناه هناك ( قوله فتستحق النفقة ) أي وإن لم يكن لها المطالبة بالمهر ( قوله به يفتي ) كذا في الهداية ، وهو قول الخصاف . وفي الولوالجية : وهو الصحيح وعليه الفتوى . وظاهر الرواية اعتبار حاله فقط ، وبه قال جمع كثير من المشايخ ، ونص عليه محمد . وفي التحفة والبدائع أنه الصحيح بحر ، لكن المتون والشروح على الأول . وفي الخانية : وقال بعض الناس يعتبر حال المرأة .

قال في البحر : واتفقوا على وجوب نفقة الموسرين إذا كانا موسرين ، وعلى نفقة المعسرين إذا كانا معسرين ، [ ص: 575 ] وإنما الاختلاف فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ، فعلى ظاهر الرواية الاعتبار لحال الرجل ، فإن كان موسرا وهي معسرة فعليه نفقة الموسرين ، وفي عكسه نفقة المعسرين . وأما على المفتى به فتجب نفقة الوسط في المسألتين وهو فوق نفقة المعسرة ودون نفقة الموسرة .

ا هـ [ تنبيه ] صرحوا ببيان اليسار والإعسار في نفقة الأقارب ولم أر من عرفهما في نفقة الزوجة ، ولعلهم وكلوا ذلك إلى العرف والنظر إلى الحال من التوسع في الإنفاق وعدمه ، ويؤيده قول البدائع : حتى لو كان الرجل مفرطا في اليسار يأكل خبز الحوارى ولحم الدجاج والمرأة مفرطة في الفقر تأكل في بيت أهلها خبز الشعير يطعمها خبز الحنطة ولحم الشاة ( قوله ويخاطب إلخ ) صرح به في الهداية ، وقد غفل عنه في غاية البيان فقال : إذا كان معسرا وهي موسرة وأوجبنا الوسط فقط كلفناه بما ليس في وسعه ( قوله والباقي ) أي ما يكمل نفقة الوسط .




الخدمات العلمية