الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ؛ " أم " ؛ للإضراب؛ و " من " ؛ للاستفهام؛ أي أن الإضراب انتقالي؛ انتقل من السؤال عن أصل خلق الكون وما اشتمل؛ وما توالى عليه من نعم الماء؛ والإنبات وتصريف الرياح؛ لتكون مبشرة بين يدي رحمته؛ بعد ذلك سألهم عن أصل خلقهم؛ وعن مآلهم؛ وهو أمر متعلق أشد التعلق؛ والمعنى: من الذي خلقكم ابتداء؛ وجعل لكم أجلا مسمى؛ وتكفل برزقكم في الدنيا؛ وعبر - سبحانه - عن بدء الخلق بقوله: أمن يبدأ الخلق ؛ مع أنه بدأه وخلقه في الماضي؛ فهو قد ذكر المضارع دون الماضي؛ لأمرين؛ أولهما: تصوير البدء واستمراره؛ فالمضارع يدل على ذلك؛ والثاني أن البدء في الخلق مستمر؛ فهو في الحاضر والقابل؛ كما كان في الماضي؛ وقوله (تعالى): " ثم يعيده " ؛ التعبير بـ " ثم " ؛ في موضعه; لأن بين الإعادة والبدء أعمار الناس؛ وليس ذلك زمنا قصيرا؛ وذكر البدء في هذا المقام إنذار لهم وتذكير؛ والحياة عابثة إذ لم يكن بها تذكير باليوم الآخر؛ وإنما مستمر؛ و- سبحانه وتعالى - يذكره دائما لكي لا ينسوه؛ وفيه إنذار لهم وتبشير. [ ص: 5475 ] وإنه مع أن البعث جاء لا محالة؛ تكفل - سبحانه وتعالى - برزقهم في الفترة التي يعيشونها؛ فرحمة الله سابغة دائما؛ ولذا قال (تعالى): ومن يرزقكم من السماء والأرض ؛ أي: يرزقكم من السماء بنجومها المسخرات التي تهديكم في ظلمات البر والبحر؛ والشمس بأشعتها الواقية والهادية؛ والقمر بنوره الذي ينير لكم في جوف الليل البهيم؛ والمطر الذي ينزل من السحاب؛ فيحيي الأرض؛ ويرزقكم من الأرض بمعدنها وأفلازها؛ ونباتها؛ وحدائقها ذات البهجة والجمال.

                                                          لا يستوي الله الخالق المبدع؛ مع الأوثان؛ ثم قال (تعالى): أإله مع الله ؛ أي: لا إله مع الله؛ وقد انتقل القرآن من بيان ما يوجب عبادة الله (تعالى)؛ إلى مطالبتهم بأن يأتوا بدليل يسوغ عبادة الأوثان؛ آمرا نبيه بأن يطالبهم بدليل يسوغ حالهم التي هم فيها من عبادة غيره؛ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ؛ " البرهان " ؛ هو الدليل العقلي المنطقي؛ أي: هاتوا دليلا فعليا منطقيا يسوغ لكم عبادتها؛ إن كنتم صادقين في استحقاقها للعبادة.

                                                          طالبهم القرآن الكريم بالبرهان العقلي؛ ولكنهم لا يمكن أن يأتوا به؛ لأنه لا يمكن أن يكون ثمة دليل علمي منطقي يسوغ عبادة أحجار لا تملك نفعا؛ ولا ضررا؛ وهي في ذاتها أقل في وجودها ممن يعبدونها؛ ولكنه ضلال الأوهام.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية