الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الطلاق الذي تملك فيه الرجعة

( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } الآية كلها .

( قال الشافعي ) فكان بينا في كتاب الله تعالى أن كل طلاق حسب على مطلقة فيه عدد طلاق إلا الثلاث فصاحبه يملك فيه الرجعة .

وكان ذلك بينا في حديث ركانة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإلا الطلاق الذي يؤخذ عليه المال ، لأن الله تعالى أذن به وسماه فدية فقال { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فكان بينا في كتاب الله تعالى إذ أحل له أخذ المال أنه إذا ملك مالا عوضا من شيء لم يجز أن يكون له على ما ملك به المال سبيل والمال هو عوض من بضع المرأة فلو كان له عليها فيه رجعة كان ملك مالها ولم تملك نفسها دونه ( قال ) واسم الفدية أن تفدي نفسها بأن تقطع ملكه الذي له به الرجعة عليها ولو ملك الرجعة لم تكن مالكة لنفسها ولا واقعا عليها اسم فدية بل كان مالها مأخوذا وهي بحالها قبل أخذه والأحكام فيما أخذ عليه المال بأن يملكه من أعطى المال ( قال ) وبهذا قلنا طلاق الإيلاء وطلاق الخيار والتمليك كلها إلى الزوج فيه الرجعة ما لم يأت على جميع الطلاق ( قال الشافعي ) رحمه الله : وبهذا قلنا إن كل عقد فسخناه شاء الزوج فسخه أو أبى لم يكن طلاقا وكان [ ص: 276 ] فسخا بلا طلاق .

وذلك أنا لو جعلناه طلاقا جعلنا الزوج يملك فيه الرجعة وأنما ذكر الله عز وجل الطلاق من قبل الرجال فقال { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } وقال { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } ( قال ) وكان معقولا عن الله عز وجل في كل هذا أنه الطلاق الذي من قبل الزوج .

فأما الفسخ فليس من قبل الزوج وذلك مثل أن ينكح نكاحا فاسدا فلا يكون زوجا فيطلق ومثل إسلام أحد الزوجين أو ردة أحدهما فلا يحل لكم أن يكون تحته وثنية ولا لمسلمة أن يكون زوجها كافرا ومثل الأمة تعتق فيكون الخيار إليها بلا مشيئة زوجها .

ومثل الخيار إلى المرأة إذا كان زوجها عنينا أو خصيا مجبوبا وما خيرناها فيه مما يلزمه فيه الفرقة وإن كره فإنما ذلك كله فسخ للعقدة لا إيقاع طلاق بعدها .

ومثل المرأة تملك زوجها أو يملكها فيفسخ النكاح ( قال الشافعي ) ومثل الرجل يغر بالمرأة فيكون له الخيار فيختار فراقها فذلك فسخ بلا طلاق ، ولو ذهب ذاهب إلى أن يكون طلاقا لزمه أن يجعل للمرأة نصف المهر الذي فرض لها إذا لم يمسها لأن الله تبارك وتعالى يقول { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } .

التالي السابق


الخدمات العلمية