الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( السابع ) قال في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الوكالات فيمن باع سلعة بعشرين دينارا على مؤامرة صاحبها وهو وكيل فقال له رجل : عندي زيادة فهل يخبر صاحبها بذلك . ؟ قال مالك نعم أرى ذلك ، وإنما يطلب صاحبها الزيادة ولكن يبين له فرب رجل لو زاده لم يبعه يكره مخالطته . قيل له : إن أمره أن يبيعه ممن زاده فأبى أن يأخذها . ؟ قال أرى أن يلزمه البيع . قيل له : إنه يقول : لا حاجة لي بها . ؟ قال يلزمه ولا حجة له ، فتكلم ابن رشد أولا في جواز إخبار صاحبها بالزيادة وسيأتي إن شاء الله كلامه في التنبيه الثامن ، ثم قال : وأما قوله : يلزمه البيع فهو خلاف ما في كتاب الغرر من المدونة من أنه لا يلزم المساومين المبيع لا البائع بما بذل له في سلعته ، ولا المبتاع بما أعطى ، ولكل واحد أن يقول : إنما كنت لاعبا غير مجد ويحلف على ذلك ، ولا يلزمه البيع ، ومثل ما في سماع أشهب من كتاب العيوب أن البيع يلزم كل واحد منهما إذا كانت موقوفة للبيع ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) قال المشذالي في حاشيته على المدونة عن الوانوغي إنه قال الفرق بين ما في العتبية وما في المدونة أن ما في العتبية تقدر فيها الثمن سابقا على الزيادة فكان ذلك دليلا على اللزوم وعدم الاختيار فيلزمه البيع بالزيادة بخروجه عن المساومة لمن زاد ، ولما لم يتقدم ثمن في مسألة المدونة حمل على المساومة ، قال المشذالي بعده : ويمكن أن يفرق بينهما بأن مسألة العتبية لم يدع أنه كان هازلا ، وإنما قال لا حاجة : لي بها فجاز أن يكون جادا في الزيادة ثم ندم وقال : لا حاجة لي بها ، وهذا معنى مناسب للإلزام ، فلا يلزم منه اللزوم في مسألة المدونة كما لا يلزم من عدم اللزوم في مسألة المدونة عدمه في مسألة العتبية على الفرقين المذكورين ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) لا شك أن مسألة المدونة مغايرة لمسألة العتبية ويفرق بينهما بالفرقين المذكورين ، فإن في كلامه في مسألة العتبية أنه أمره أن يخبر صاحبها بالزيادة ويشاوره على البيع بذلك فأمره للوكيل بذلك يقتضي رضاه بالبيع كما تقدم في قول البائع للمشتري : اذهب واستشر فيها فتأمله والله أعلم . وقولابن رشد لا يلزم المساومين البيع في مسألة المدونة يريد إذا أتى كل واحد منهما بلفظ فيه احتمال ، كما إذا قال : بكم فقال : بمائة فقال له المشتري : آخذها منك بالمائة فقال له البائع : رضيت فقال المشتري : لا أرضى، وأما إذا أتى أحدهما بلفظ يدل على إيجاب البيع كقول المشتري في مسألة المدونة : رضيت أو أخذتها بذلك أو اشتريتها بذلك ، فلا شك أن البيع يلزمه ، ولو قال بعد ذلك : لم أرد البيع لم يفده ، وهذا ظاهر من كلامه المتقدم في سماع أشهب والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية