الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 91 ] 297 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك

1831 - حدثنا أحمد بن أصرم المزني ثم المعقلي أبو العباس ، قال : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، قال : حدثنا شريك وقيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك .

[ ص: 92 ]

1832 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا العباس بن محمد يعني الدوري ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، قال : حدثنا شريك وذكر آخر ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ما يمنع من كان له على رجل دين فأودعه مثله أو قدر له على مثله بغير إيداع منه إياه أن يأخذه قضاء من دينه الذي له عليه .

[ ص: 93 ] فقال لنا قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأنتم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر

1833 - ما قد حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني إلا أن آخذ من ماله سرا ، قال : خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف .

1834 - وما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ثم ذكر مثله .

1835 - وما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف [ ص: 94 ] الدمشقي ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني هشام بن عروة ، [ عن عروة ] ، عن عائشة رضي الله عنها حدثته أن هند ابنة عتبة أم معاوية بن أبي سفيان جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبا سفيان رجل شحيح شديد ، وإنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فهل علي في ذلك من شيء ؟ فقال : خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف .

1836 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : أخبرنا أبو اليمان ، قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : حدثني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت هند ابنة عتبة بن ربيعة قالت : يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك ثم قالت : إن أبا سفيان رجل ممسك فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟ قال : لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف .

[ ص: 95 ]

1837 - وما قد حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : فهل علي من حرج أن أنفق على عياله بغير إذنه ؟

1838 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن رافع ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك ، فهل علي جناح أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا جناح عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف .

قال : ففي هذا إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم هندا أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان بغير إذنه الواجب لها عليه من النفقة بحق التزويج القائم بينه وبينها ، وأن تنفق على عياله من ماله بغير إذنه الذي يجب لهم [ ص: 96 ] عليه من النفقة بالمعروف ، وهذا خلاف ما في الحديث الأول .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه : أن الذي في هذه الأحاديث لا يخالف ما في الحديث الأول ؛ لأن الذي في الحديث الأول إنما هو : أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، والذي في الأحاديث الأخر إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم لهند أن تنفق من مال زوجها على نفسها ما يجب عليه أن ينفقه عليها ، وأن توصل إلى عياله منه ما يجب عليه أن ينفقه عليهم من ماله ، ومن أخذ ما قد أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه فليس بخائن .

فعقلنا بذلك أن ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل واحد من الروايتين اللتين ذكرنا غير ما أراده في الأخرى منهما ، وأن من أخذ ما أمره بأخذه أخذ مباحا له أخذه ومن أخذ ما لا يحل له أخذه وما هو بأخذه إياه خائن لمن أخذه من ماله بغير إذنه ، وهو أن يأخذ من مال رجل له عليه عشرة دراهم عشرين درهما فأخذه الزيادة على ما له عليه من الذي له عليه خيانة ، وهي التي نهاه النبي صلى الله عليه وسلم فبان بما ذكرنا بحمد الله ونعمته أن لا تضاد في شيء مما رويناه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان إذا جمع ما فيهما عاد إلى هذا المعنى وهما .

1839 - ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن الشعبي ، عن المقدام أبي كريمة الشامي ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليلة الضيف حق على كل مسلم فإن أصبح بفنائه فإنه دين له عليه إن [ ص: 97 ] شاء اقتضاه وإن شاء تركه .

فكان في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم جعل حق الضيف دينا للمضيف على الذي نزل به .

1840 - وما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني الليث وابن لهيعة .

وما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث حدثنا الليث ثم اجتمعوا جميعا فقالوا : عن يزيد بن أبي حبيب ، عن [ ص: 98 ] أبي الخير ، عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه ، قال قلنا : يا رسول الله إنك تبعثنا ، فننزل بقوم فلا يأمرون لنا بحق الضيف فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلتم بقوم فلم يأمروا لكم بحق الضيف فخذوه من أموالهم .

فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول حق الضيف دينا وجعل في الحديث الثاني لمن وجب له أخذه من مال من وجب له عليه فقد وافق ذلك ما صححنا عليه المعنيين الأولين اللذين بدأنا بذكرهما في هذا الباب والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية