الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4673 باب: في الصرع وثوابه

                                                                                                                              وأورده النووي في: (الباب المتقدم) ، ولم يتكلم عليه بشيء.

                                                                                                                              [ ص: 330 ] (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \النووي، ص131 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عطاء بن أبي رباح؛ قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء؛ أتت النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالت: إني أصرع. وإني أتكشف. فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرت، ولك الجنة. وإن شئت، دعوت الله: أن يعافيك" قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف. فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عطاء بن أبي رباح؛ قال: قال لي ابن عباس:) رضي الله عنهما؛ (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء) . اسمها: "سعيرة" - بالمهملات - الأسدية. كما في تفسير ابن مردويه عند المستغفري، في كتاب الصحابة. وأخرجه أبو موسى في الذيل.

                                                                                                                              (أتت النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم، فقالت: إني أصرع) . "والصرع" -نعوذ بالله منه-: علة تمنع الأعضاء الرئيسة، [ ص: 331 ] عن استعمالها منعا غير تام. وسببه: ريح غليظة، تنحبس في منافذ الدماغ. أو بخار رديء يرتفع إليه، من بعض الأعضاء. وقد يتبعه تشنج في الأعضاء، ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة. وقد يكون الصرع من الجن. ويقع من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لإيقاع الأذية به.

                                                                                                                              والأول: هو الذي يثبته جميع الأطباء، ويذكرون علاجه.

                                                                                                                              والثاني: يجحده كثير منهم. وبعضهم يثبته.

                                                                                                                              ولا يعرف له علاج؛ إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية، لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية. وتبطيل أفعالها. وممن نص على ذلك: "بقراط". قال -بعد ذكر علاج المصروع-: إنما ينفع في الذي سببه أخلاط. وأما الذي يكون من الأرواح؛ فلا.

                                                                                                                              (وإني أتكشف) بتشديد الشين، من التكشف. وبالنون الساكنة المخففة، من الانكشاف. ومعناه: أنها خشيت أن تظهر سوأتها في هذه الحالة، وهي لا تشعر.

                                                                                                                              [ ص: 332 ] (فادع الله لي) : أن يشفيني من ذلك الصرع. (قال: إن شئت صبرت، ولك الجنة. وإن شئت، دعوت الله "عز وجل" أن يعافيك. قالت: أصبر.

                                                                                                                              فيه: أن الصبر على بلايا الدنيا، يورث الجنة. وأن الأخذ بالشدة، أفضل من الأخذ بالرخصة، لمن علم من نفسه الطاقة، ولم يضعف عن التزام الشدة.

                                                                                                                              وفيه: دليل على جواز ترك التداوي، وأن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله: أنجع وأنفع، من العلاج بالعقاقير. ولكن إنما ينجع بأمرين؛ أحدهما من جهة العليل، وهو صدق القصد. والآخر من جهة المداوي، وهو توجه قلبه إلى الله، وقوته: بالتقوى والتوكل عليه، سبحانه وتعالى.

                                                                                                                              (قالت: فإني أتكشف. فادع الله: أن لا أتكشف. فدعا لها) . فيه: أن الصرع: يثاب عليه أكمل ثواب.

                                                                                                                              وفيه: استحباب طلب الدعاء، من أهل الفضل والصلاح، وجواز دعائهم: لأهل المرض ونحوه.

                                                                                                                              قال ابن القيم (في الهدي النبوي) : من حدث له الصرع، وله خمس وعشرون سنة، وخصوصا بسبب دماغي: أيس من برئه. وكذلك إذا استمر به إلى هذه السن. قال: فهذه المرأة، يجوز: أن يكون [ ص: 333 ] صرعها من هذا النوع، فوعدها "صلى الله عليه وآله وسلم" -بصبرها على هذا المرض-: بالجنة.

                                                                                                                              وهذا الحديث أخرجه النسائي أيضا، في الطب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية