الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حال المستعار : فحاله أنه أمانة في يد المستعير في حال الاستعمال بالإجماع ، فأما في غير حال الاستعمال فكذلك عندنا ، وعند الشافعي - رحمه الله - مضمون ، واحتج بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان درعا يوم حنين ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ، فقال عليه الصلاة والسلام : بل عارية مضمونة } ولأن العين مضمونة الرد حال قيامها ، فكانت مضمونة القيمة حال هلاكها كالمغصوب ، وهذا لأن العين اسم للصورة ، والمعنى وبالهلاك إن عجز عن رد الصورة لم يعجز عن رد المعنى ; لأن قيمة الشيء معناه ، فيجب عليه رده بمعناه كما في الغصب ، ولأنه قبض مال الغير لنفسه ، فيكون مضمونا عليه كالمقبوض على سوم الشراء .

                                                                                                                                ( ولنا ) أنه لم يوجد من المستعير سبب وجوب الضمان ، فلا يجب عليه الضمان كالوديعة والإجارة ، وإنما قلنا ذلك لأن الضمان لا يجب على المرء بدون فعله ، وفعله الموجود منه ظاهرا هو العقد والقبض ، وكل واحد منهما لا يصلح سببا لوجوب الضمان أما العقد ; فلأنه عقد تبرع بالمنفعة تمليكا أو إباحة على اختلاف الأصلين .

                                                                                                                                وأما القبض ، فلوجهين : أحدهما أن قبض مال الغير بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان ، فبالإذن أولى ، وهذا لأن قبض مال الغير بغير إذنه هو إثبات اليد على مال الغير وحفظه وصيانته عن الهلاك وهذا إحسان في حق المالك قال الله - تبارك وتعالى - جل شأنه : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } وقال تبارك وتعالى { ما على المحسنين من سبيل } دل أن قبض مال الغير بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان ، فمع الإذن أولى والثاني : أن القبض المأذون فيه لا يكون تعديا ; لأنه لا يفوت يد المالك ولا ضمان إلا على المتعدي ، قال الله تبارك وتعالى : { فلا عدوان إلا على الظالمين } بخلاف قبض الغصب ، وأما الاستدلال بضمان الرد ، قلنا : إن وجب عليه رد العين حال قيامها ، لم يجب عليه رد القيمة حال هلاكها وقوله : قيمتها معناها ، قلنا : ممنوع ، وهذا لأن القيمة هي الدراهم والدنانير ، والدراهم والدنانير عين أخرى لها صورة ومعنى غير العين الأولى ، فالعجز عن رد أحد العينين لم يوجب رد العين الأخرى ، وفي باب الغصب لا يجب عليه ضمان القيمة بهذا الطريق ، بل بطريق آخر ، وهو إتلاف المغصوب معنى لما علم ، وهنا لم يوجد ، حتى لو وجد يجب الضمان [ ص: 218 ] ثم نقول : إنما وجب عليه ضمان الرد ; لأن العقد متى انتهى بانتهاء المدة أو بالطلب بقي العين في يده كالمغصوب ، والمغصوب مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه ، وعندنا إذا هلكت في تلك الحالة ضمن وأما قوله : قبض مال الغير لنفسه فنعم ، لكن قبض مال الغير لنفسه بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان لما ذكرنا ، فمع الإذن أولى .

                                                                                                                                والمقبوض على سوم الشراء غير مضمون بالقبض بل بالعقد بطريق التعاطي ، بشرط الخيار الثابت دلالة لما علم ، ولا حجة له في حديث صفوان ; لأن الرواية قد اختلفت ، فقد روي { أنه هرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأمنه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد حنينا ، فقال : هل عندك شيء من السلاح فقال : عارية أو غصبا فقال عليه الصلاة والسلام : عارية ، فأعاره } ولم يذكر فيه الضمان ، والحادثة حادثة واحدة مرة واحدة ، فلا يكون الثابت إلا إحداهما فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج ، مع ما أنه إن ثبت فيحتمل ضمان الرد ، وبه نقول ، فلا يحمل على ضمان الغير مع الاحتمال ، يؤيد ما قلنا ، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { العارية مؤداة } .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية