الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 148 ] ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما قال : ( وإن تولوا ) يعني عن عبادته وطاعته ( فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ) بين بعده أن التولي عن ذلك باطنا كالتولي عنه ظاهرا ، فقال : ( ألا إنهم ) يعني الكفار من قوم محمد صلى الله عليه وسلم يثنون صدورهم ليستخفوا منه .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار شيئين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم يثنون صدورهم ، يقال : ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته ، وفي الآية وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الأول : روي أن طائفة من المشركين قالوا : إذا أغلقنا أبوابنا وأرسلنا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد ، فكيف يعلم بنا ؟ وعلى هذا التقدير كان قوله : ( يثنون صدورهم ) كناية عن النفاق ، فكأنه قيل : يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى ، ثم نبه بقوله : ( ألا حين يستغشون ثيابهم ) على أنهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : روي أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه ، والتقدير كأنه قيل : إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشون ثيابهم ؛ لئلا يسمعوا كلام رسول الله وما يتلو من القرآن ، وليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطعن . وقوله : ( ألا ) للتنبيه ، فنبه أولا على أنهم ينصرفون عنه ليستخفوا ، ثم كرر كلمة ( ألا ) للتنبيه على ذكر الاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم ، وهو حين يستغشون ثيابهم ، كأنه قيل : ألا إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا من الله ، ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم . ثم ذكر أنه لا فائدة لهم في استخفائهم بقوله : ( يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية