الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يباع القن ) ويسعى مدبر ومكاتب لم يعجز ( المأذون في النكاح ) وبدونه يطالب بعد عتقه ( في نفقة زوجته ) - [ ص: 597 ] المفروضة ( إذا اجتمع عليه ما يعجز عن أدائه ولم يفده ) ذخيرة ولو بنت المولى ، لا أمته ولا نفقة ولده ولو زوجته حرة ، بل نفقته على أمه ولو مكاتبة لتبعيته للأم ولو مكاتبين سعى لأمه ونفقته على أبيه جوهرة ( مرة بعد أخرى ) أي لو اجتمع عليه نفقة أخرى بعد ما اشتراه من علم به أو لم يعلم ثم علم فرضي بيع ثانيا ، وكذا المشتري الثالث وهلم جرا ; لأنه دين حادث قاله الكمال وابن الكمال : فما في الدرر تبعا للصدر سهو . - [ ص: 598 ] ( وتسقط بموته وقتله ) في الأصح ( ويباع في دين غيرها ) مرة لعدم التجدد ، وسيجيء في المأذون أن للغرماء استسعاءه ومفاده أن لها استسعاءه ولو لنفقة كل يوم بحر ، قال : وهل يباع في كفنها ؟ ينبغي على قول الثاني المفتى به نعم كما يباع في كسوتها . .

التالي السابق


مطلب في بيع العبد لنفقة زوجته ( قوله يباع القن ) أي يبيعه سيده ; لأنه دين تعلق في رقبته بإذن المولى فيؤمر ببيعه ، فإن امتنع باعه القاضي بحضرته كما قدمناه عن النهر في نكاح الرقيق . والقن عند الفقهاء من لا حرية فيه بوجه . وفي اللغة : من ملك هو وأبوه بحر ( قوله ويسعى مدبر ومكاتب ) لعدم صحة بيعهما ، ومثلهما ولد أم الولد ، وقوله في البحر والنهر وأم الولد فيه سقط ، ومعتق البعض عند الإمام بمنزلة المكاتب هندية عن المحيط ، ولو اختارت استسعاء القن دون بيعه ينبغي أن لها ذلك كما قالوا في المأذون المديون إذا اختار الغرماء استسعاءه بحر ، وأقره أخوه والمقدسي ( قوله لم يعجز ) أما لو عجز نفسه عاد إلى الرق فيجري عليه حكم القن ( قوله وبدونه إلخ ) يعني إذا تزوج القن أو المدبر ونحوه [ ص: 597 ] بلا إذن السيد يطالب بالنفقة بعد العتق : أي بالنفقة المستقبلة لا التي في حال رقه لعدم كونها زوجة وقته . قال في الفتاوى الهندية : فإن تزوج هؤلاء بغير إذن المولى فلا نفقة عليهم ولا مهر ، كذا في الكافي ، وإن أعتق واحد منهم جاز نكاحه حين عتق وعليه المهر والنفقة في المستقبل . ا هـ . ح ( قوله المفروضة ) كذا قيد به في النهر وعزاه إلى الفتح وغيره أي ; لأنها بدون الفرض تسقط بالمضي كنفقة زوجة الحر . والذي في الفتح فرضها بقضاء القاضي وهل بالتراضي كذلك لم أره ، وذكرت في باب نكاح الرقيق بحثا أنه ينبغي أن لا يصح فرضها بتراضيهما لحجر العبد عن التصرف ولاتهامه بقصد الزيادة لإضرار المولى تأمل .

( قوله إذا اجتمع عليه إلخ ) أفاد أنه لا يباع بالقدر اليسير كنفقة كل يوم وأنه لا يلزمها أن تصير إلى أن يجتمع لها من النفقة قدر قيمته ، لما في الأول من الإضرار بالمولى ، وما في الثاني من الإضرار بها ، أفاده في البحر . قلت : والظاهر أن الخيار للمولى ، إن شاء باعه جميعه أو باع منه بقدر مالها عليه ، ثم إذا تجمد لها عليه نفقة أخرى يباع من حصة كل من السيد والمشتري بقدر ما يخصه ; لأنه عبد مشترك لزمه دين فيغرم كل منهما بقدر ما يملكه وهكذا لو بيع منه لثالث ورابع تأمل . ( قوله ولم يفده ) فلو اختار المولى فداءه لا يباع ; لأن حقها في النفقة لا في رقبة العبد ( قوله ولو بنت المولى ) تعميم للزوجة ، فإن لها النفقة على عبد أبيها ; لأن البنت تستحق الدين على الأب فكذا على عبده بحر عن الذخيرة ( قوله لا أمته ) أي أمة مولاه أي لا يجب على العبد نفقة زوجته التي هي أمة مولاه ، سواء بوأها أو لا ; لأنهما جميعا ملك المولى ونفقة المملوك على المالك بحر ، وينظر ما لو كان مكاتبا للمولى ولعلها عليه شرنبلالية ( قوله ولا نفقة ولده إلخ ) ; لأنه إذا كانت زوجته حرة فأولادها أحرار تبعا لها ، ونفقتهم عليها لو قادرة وإلا فعلى الأقرب فالأقرب ممن يرثهم ; وإذا كانت مكاتبة فأولادها تبع لها في الكتابة فنفقتهم عليها .

وإذا كانت الزوجة قنة أو مدبرة أو أم ولد فأولادها تبع لها في الرق والتدبير والاستيلاد ، ونفقتهم على مولاهم ; لأنهم ملكه ، وهذا معنى قوله لتبعية الأم : أي لا تلزم العبد نفقة ولده سواء كانت زوجته حرة أو غيرها لتبعية الولد لأمه في الحرية لو حرة ، والكتابة لو مكاتبة ، والرق لو قنة ، والتدبير أو الاستيلاد لو مدبرة أو أم ولد فافهم ( قوله ولو مكاتبين إلخ ) في البحر عن كافي الحاكم وشرحه للنسفي وشرح الطحاوي والشامل ، وكذا في الفتح ، المكاتب لا تجب عليه نفقة ولده سواء كانت امرأته حرة أو أمة لهذا المعنى . وإذا كانت امرأة المكاتب مكاتبة وهما لمولى واحد فنفقة الولد على الأم ; لأن الولد تابع للأم في كتابتها ، ولهذا كان كسب الولد لها وأرش الجناية عليه لها وميراثه لها فكذلك النفقة تكون عليها .

ا هـ وبه ظهر أن الضمير في قوله سعى ، وكذا ما بعده عائد على الولد ; لأنه معنى كون كسبه لأمه ولا ضرورة لإرجاعه للزوج ; لأن الكلام في نفقة ولد المكاتب ، أما نفقة زوجته فعلم حكمها من قوله ومكاتب لم يعجز فافهم ، نعم قوله ونفقته على أبيه الظاهر أنه سبق قلم من صاحب الجوهرة ، لما علمت من صريح هذه الكتب المعتمدة من أن نفقته على أمه ونحوه في ح عن الذخيرة ( قوله ثم علم فرضي ) أما إذا لم يعلم المشتري بحاله أو علم بعد الشراء ولم يرض فله رده ; لأنه عيب اطلع عليه فتح ( قوله ; لأنه دين حادث ) أي عند المشتري ; لأن النفقة تتجدد شيئا فشيئا على حسب تجدد الزمان على وجه يظهر في حق السيد ، فهو في الحقيقة دين حادث عند المشتري فتح ( قوله فما في الدرر إلخ ) تفريع على قوله [ ص: 598 ] بعدما اشتراه ، وقوله ; لأنه دين حادث فإن معناه أنه إنما يباع ثانيا بما يجتمع عليه من النفقة عند المشتري لا بما بقي عليه من عند الأول ، كما إذا بيع فلم يف ثمنه بما عليه لا يباع ثانيا بما بقي بل بما يحدث عند الثاني ، ولهذا رد تبعا لغيره على ما في الدرر تبعا لصدر الشريعة ، حيث قالا : صورته عبد تزوج امرأة بإذن المولى ففرض القاضي النفقة عليه فاجتمع عليه ألف درهم فبيع بخمسمائة وهي قيمته والمشتري عالم أن عليه دين النفقة يباع مرة أخرى ، بخلاف ما إذا كان عليه ألف بسبب آخر فبيع بخمسمائة لا يباع مرة أخرى . ا هـ

وأجاب ح بأن قوله يباع مرة أخرى يحتمل أن يكون المراد به يباع فيما تجدد لا في الخمسمائة الباقية فالأحسن قول الشرنبلالية فيه تساهل ; لأنه يوهم أنه يباع فيما بقي عليه من الألف وليس كذلك ، بل فيما يتجدد عليه من النفقة عند المشتري كما هو منقول في المذهب ا هـ لكن قوله بخلاف إلخ يمنع من هذا التأويل كما لا يخفى ( قوله في الأصح ) وقيل لا تسقط بالقتل ; لأنه أخلف القيمة فتنتقل إليه كسائر الديون ، وليس بشيء ; لأن الدين إنما ينتقل إلى القيمة إذا كان دينا لا يسقط بالموت وهذا يسقط بالموت زيلعي ( قوله ويباع في دين غيرها ) بتنوين دين وجر غيرها على أنه صفة له أي غير النفقة كالمهر ، وما لزمه بتجارة بإذن أو بضمان متلف . قال ح : وفيه أنه لا يظهر فرق بين النفقة وغيرها فإن الدين الحادث في ملك مولى إذا بيع فيه لا يباع في بقيته عند مولى آخر نفقة كان أو غيرها . إلا أن يقال : إن سبب النفقة لما كان أمرا واحدا مستمرا يقال إنه بيع فيه مرارا عند موال متعددة بخلاف غيره ( قوله ومفاده أن لها استسعاءه ) لكونها من جملة الغرماء ولذا تحاصصهم ط ( قوله قال ) أي صاحب البحر ، وأقره أخوه والمقدسي ، وذكر الرملي أنه سئل عن ذلك فأجاب كذلك قبل وقوفه على ما في البحر . ا هـ . قلت : ورأيته مصرحا في الذخيرة عن أبي يوسف ( قوله على قول الثاني ) أي من أن مؤنة تجهيزها على الزوج وإن تركت مالا ; لأن الكفن كالكسوة حال الحياة .




الخدمات العلمية