الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 14 ] 2 - باب بيان ما أشكل علينا مما قد روي عنه عليه السلام من العشر الخواتم من سورة آل عمران التي تلاها في ليلة عند استيقاظه من نومه وما روي عنه في ذلك

11 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره ... وما قد حدثنا إسماعيل المزني ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال : أخبرنا مالك ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب أن { ابن عباس أخبره : أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته ، قال : فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها ، فنام حتى إذا انتصف الليل - أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل - استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ، ثم قام إلى شن معلقة ، فتوضأ منها ، فأحسن وضوءه ، ثم قام يصلي .

قال ابن عباس : فقمت ، فصنعت مثل ما صنع ، ثم ذهبت ، فقمت إلى جنبه ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ، وأخذ بأذني يفتلها ، فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم أوتر ، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن ، فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج ، فصلى الصبح
} .

[ ص: 15 ] فلم نقف بهذا الحديث على أول العشر الآيات التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتجنا إلى الوقوف على حقيقتها إذ كان القراء من أهل المدينة ، ومن أهل الكوفة يذهبون إلى أن أولها هو قوله : الذين يذكرون الله قياما وقعودا ، وإذ كان القراء من أهل الشام يعدونها إن في خلق السماوات والأرض .

فالتمسنا حقيقة ذلك .

12 - فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الأسدي ، ووجدنا علي بن معبد قد حدثنا ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قالوا : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن المنهال بن عمرو ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، قال : { أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله الليلة ، وتقدم إلي أن لا تنام حتى تحفظ لي صلاة رسول الله عليه السلام قال : فصليت مع رسول الله عليه السلام العشاء ، فلما قضى صلاته ، وانصرف الناس ، فلم يبق في المسجد أحد غيري ، قال النبي : من هذا ؟ فقال : [ ص: 16 ] أعبد الله ؟ قلت : نعم ، قال : فمه ؟ قلت : أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة ، قال : فالحق إذا ، قال : فدخلت مع النبي عليه السلام ، فقال : افرش عبد الله ، فأتيت بوسادة من مسوح حشوها ليف ، فنام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ، ثم استوى على فراشه قاعدا ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال : سبحان الله القدوس ثلاث مرات ، وقرأ هذه الآية من آخر سورة آل عمران إن في خلق حتى ختم السورة } .

13 - ووجدنا أحمد بن داود البصري قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن محمد بن علي ، أخبرني أبي ، عن ابن عباس قال : { بت عند النبي عليه السلام ، فقام ، أخذ سواكه ، ثم توضأ ، ثم رفع رأسه إلى السماء وهو يقول : إن في خلق السماوات والأرض الآية ، ثم صلى ركعتين ، فأطال فيهما القيام والركوع والسجود ، ثم نام حتى نفخ ، ثم قام ، فأخذ السواك ، فاستاك ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، فقال : إن في خلق السماوات والأرض إلى آخر الآية ، ففعل ذلك ثلاث مرات ، ثم قام ، فأوتر بثلاث ركعات } .

14 - ووجدنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قد حدثنا قال : [ ص: 17 ] حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين ، ثم ذكر بإسناده مثله .

فوقفنا بهذا الحديث على أن أول العشر الآيات من آخر سورة آل عمران ، هو كما في عدد الشاميين ، وموافقة ابن عباس إياهم على ذلك .

ثم وجدنا في حديث كريب من رواية ابن إسحاق موافقة ما في حديث علي بن عبد الله

15 - كما حدثنا محمد بن جعفر البغدادي المعروف بابن الإمام ، حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري ، حدثنا عمي يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، عن سلمة بن كهيل ، ومحمد بن الوليد بن نويفع مولى آل الزبير ، كلاهما حدثني عن كريب عن ابن عباس ، قال : { بعثني أبي العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ له صلاته ، قال : فهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، فتعار ببصره إلى السماء ، ثم تلا هؤلاء الآيات من سورة آل عمران : إن في خلق السماوات حتى انتهى إلى عشر منها ، ثم عاد لمضجعه ، فنام ، ثم هب ، ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى } ، ثم ذكر بقية الحديث .

فعاد ما رواه كريب ، عن ابن عباس فيما ذكرنا إلى موافقة ما رواه علي بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بما وصفناه ، والله نسأله التوفيق .

ومن ذلك :

التالي السابق


الخدمات العلمية