الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
- 2 النعمة المقيدة :

والنعمة الثانية : النعمة المقيدة كنعمة الصحة ، والغنى ، وعافية الجسد ، وبسط الجاه ، وكثرة الولد ، والزوجة الحسنة ، وأمثال هذه ، فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر ، وإذا قيل : لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق ، فلا يصح إطلاقا السلب والإيجاب إلا على وجه واحد ; وهو أن النعم المقيدة ، لما كانت استدراجا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بلية كما سماها الله تعالى في كتابه كذلك ، فقال تعالى : ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمني وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني كلا . . . ) الآية أي : ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعمته فيها [ ص: 37 ] فقد أنعمت عليه وإنما كان ذلك ابتلاء مني له ، واختبارا ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فجعلته بقدر حاجته من غير فضل أكون قد أهنته ، بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب .

فإن قيل - فكيف يلتئم هذا المعنى ويتفق مع قوله : ( فأكرمه ونعمه ) . فأثبت الإكرام ثم أنكر عليه قوله : ( ربي أكرمني ) وقال : ( كلا ) . أي : ليس ذلك إكراما مني وإنما هو ابتلاء فكأنه أثبت له الإكرام ونفاه ؟ .

قيل : الإكرام المثبت غير الإكرام المنفي ، وهما من جنس النعمة المطلقة والمقيدة ، فليس هذا الإكرام المقيد بموجب لصاحبه أن يكون من أهل الإكرام المطلق .

وكذلك أيضا إذا قيل إن الله أنعم على الكافر نعمة مطلقة ولكنه رد نعمة الله وبدلها فهو بمنزلة من أعطي مالا يعيش به فرماه في البحر كما قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) وقال تعالى : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) ، فهدايته إياهم نعمة منه عليهم فبدلوا نعمته وآثروا عليها الضلال . فهذا فصل النزاع في مسألة : هل لله على الكافر نعمة أم لا ؟ وأكثر اختلاف الناس من جهتين ، إحداهما : [ ص: 38 ] اشتراك الألفاظ وإجمالها ، والثانية : من جهة الإطلاق والتفصيل .

فصل : " في أن النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة مع بيان منزلة السنة وصاحبها " :

وهذه النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة ، والفرح بها مما يحبه الله ويرضاه ، وهو لا يحب الفرحين ، قال الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) .

وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته هي الإسلام والسنة وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما ، وكلما كان أرسخ فيهما كان قلبه أشد فرحا حتى إن القلب ليرقص فرحا إذا باشر روح السنة أحزن ما يكون الناس ، وهو ممتلئ أمنا أخوف ما يكون الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية