الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                                                                      2 - الحمد الوصف الجميل على جهة التفضيل. وهو رفع بالابتداء، وأصله النصب، وقد قرئ بإظهار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم: شكرا، وكفرا. والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره. والخبر: لله اللام متعلق بمحذوف، أي: واجب أو ثابت. وقيل: الحمد والمدح أخوان، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها، تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على شجاعته وحسبه. وأما الشكر فعلى النعمة خاصة، وهو بالقلب واللسان والجوارح، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا



                                                                                                                                                                                                                                      و "الحمد" باللسان وحده، وهو إحدى شعب الشكر، ومنه الحديث: "الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمده". وجعله رأس الشكر; لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال. ونقيض الحمد: الذم، ونقيض الشكر: الكفران. وقيل: المدح: ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقيا، قادرا، عالما، أبديا، أزليا. والشكر: ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال، والحمد يشملها. والألف واللام فيه للاستغراق عندنا خلافا للمعتزلة; ولذا قرن باسم [ ص: 30 ] الله; لأنه اسم ذات، فيستجمع صفات الكمال. وهو بناء على مسألة خلق الأفعال، وقد حققته في مواضع.

                                                                                                                                                                                                                                      رب العالمين الرب: المالك، ومنه: قول صفوان لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن. تقول: ربه يربه، فهو رب. ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة، كما وصف بالعدل. ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده، وهو في العبيد مع التقيد: إنه ربي أحسن مثواي [يوسف: 23] ارجع إلى ربك [يوسف: 50]. وقال الواسطي: هو الخالق ابتداء، والمربي غذاء، والغافر انتهاء، وهو اسم الله الأعظم. والعالم: هو ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض، أو كل موجود سوى الله تعالى، سمي به; لأنه علم على وجوده، وإنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام، لما فيه من معنى الوصفية، وهي: الدلالة على معنى العلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية