الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يطرأ على الماء

                                                                                                                                                                        وضابط الفصل : أن ما يسلب اسم الماء المطلق ، يمنع الطهارة به ، وما لا ، فلا . فمن ذلك المتغير تغيرا يسيرا بما يستغنى عنه ، كالزعفران ، فالأصح أنه طهور ، والمتغير كثيرا بما يجاوره ولا يختلط به ، كعود ، ودهن ، وشمع ، طهور على الأظهر . والكافور نوعان . أحدهما : يذوب في الماء ويختلط به . والثاني : لا يذوب . فالأول يمنع ، والثاني كالعود . وأما المتغير بما لا يمكن صون الماء عنه ، كالطين ، والطحلب ، والكبريت ، والنورة ، والزرنيخ ، في مقر الماء وممره ، والتراب الذي يثور وينبث في الماء ، والمتغير بطول المكث ، والمسخن ، فطهور .

                                                                                                                                                                        قلت : ولا كراهة في استعمال شيء من هذه المتغيرات بما لا يصان عنه ، ولا في ماء البحر وماء زمزم ، ولا في المسخن ولو بالنجاسة . ويكره شديد الحرارة والبرودة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والمشمس في الحياض والبرك غير مكروه بالاتفاق ، وفي الأواني مكروه [ ص: 11 ] على الأصح ، بشرط أن يكون في البلاد الحارة ، والأواني المنطبعة كالنحاس إلا الذهب والفضة على الأصح . وعلى الثاني يكره مطلقا .

                                                                                                                                                                        قلت : الراجح من حيث الدليل أنه لا يكره مطلقا ، وهو مذهب أكثر العلماء ، وليس للكراهة دليل يعتمد . وإذا قلنا بالكراهة ، فهي كراهة تنزيه ، لا تمنع صحة الطهارة ، وتختص باستعماله في البدن ، وتزول بتبريده على أصح الأوجه ، وفي الثالث : يراجع الأطباء ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما المتغير بما يستغنى عنه ، كالزعفران ، والجص ، تغيرا كثيرا ، بحيث يسلب اسم الماء المطلق ، فليس بطهور . ولو حلف لا يشرب ماء ، لم يحنث بشربه . ويكفي تغير الطعم أو اللون أو الرائحة على المشهور ، وعلى القول الغريب الضعيف يشترط اجتماعها ، وعلى قول ثالث اللون وحده يسلب ، وكذا الطعم مع الرائحة . وفي الجص ، والنورة ، وغيرهما من أجزاء الأرض وجه شاذ أنها لا تضر .

                                                                                                                                                                        وأما المتغير بالتراب المطروح قصدا ، فطهور على الصحيح ، وقيل : على المشهور . والمتغير بالملح فيه أوجه ، أصحها يسلب الجبلي منه دون المائي . والثاني : يسلبان . والثالث : لا يسلبان . والمتغير بورق الأشجار المتناثرة بنفسها إن لم تتفتت في الماء ، فهي كالعود ، فيكون طهورا على الأظهر ، وإن تفتتت واختلطت ، فثلاثة أوجه . الأصح : لا يضر . والثاني : يضر . والثالث : يضر الربيعي دون الخريفي . قاله الشيخ أبو زيد . وإن طرحت الأوراق قصدا ، ضر . 0 وقيل : على الأوجه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 12 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا اختلط بالماء الكثير أو القليل مائع يوافقه في الصفات ، كماء الورد المنقطع الرائحة ، وماء الشجر ، والماء المستعمل ، فوجهان . أصحهما : إن كان المائع قدرا لو خالف الماء في طعم أو لون أو ريح لتغير التغير المؤثر ، سلب الطهورية ، وإن كان لا يؤثر مع تقدير المخالفة ، لم يسلب . والثاني : إن كان المائع أقل من الماء ، لم يسلب . وإن كان أكثر منه أو مثله ، سلب . وحيث لم يسلب ، فالصحيح أنه يستعمل الجميع . وقيل : يجب أن يبقى قدر المائع . وقيل : إن كان الماء وحده يكفي لواجب الطهارة ، فله استعمال الجميع ، وإلا بقي . فإن جوزنا الجميع ، ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ، ولو كمله بمائع يهلك فيه لكفاه - لزمه ذلك ، إلا أن يزيد قيمة المائع على ثمن ماء الطهارة . ويجري الخلاف في استعمال الجميع فيما إذا استهلكت النجاسة المائعة في الماء الكثير . وفيما إذا استهلك الخليط الطاهر في الماء ، لقلته مع مخالفة أوصافه أوصاف الماء . قال الأصحاب : فإن لم يتغير الماء الكثير ، لموافقة النجاسة له في الأوصاف ، فالاعتبار بتقدير المخالفة بلا خلاف ، لغلظ النجاسة ، واعتبروا في النجاسة بالمخالف أشده صفة ، وفي الطاهر اعتبروا الوسط المعتدل ، فلا يعتبر في الطعم حدة الخل ، ولا في الرائحة ذكاء المسك .

                                                                                                                                                                        قلت : المتغير بالمني ليس بطهور على الأصح . ولو تطهر بالماء الذي ينعقد منه الملح قبل أن يجمد ، جاز على المذهب . ولا فرق في جميع مسائل الفصل بين القلتين ، وفوقهما ، ودونهما . ولو أغلي الماء ، فارتفع من غليانه بخار ، وتولد [ ص: 13 ] منه رشح ، فوجهان . المختار منهما عند صاحب ( البحر ) أنه طهور . والثاني : طاهر ليس بطهور . ولو رشح من مائع آخر ، فليس بطهور بلا خلاف ، كالعرق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية