الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أتم ]

                                                          أتم : الأتم من الخرز : أن تفتق خرزتان فتصيرا واحدة ، والأتوم من النساء : التي التقى مسلكاها عند الافتضاض ، وهي المفضاة ، وأصله أتم يأتم إذا جمع بين شيئين ، ومنه سمي المأتم لاجتماع النساء فيه ؛ قال الجوهري : وأصله في السقاء تنفتق خرزتان فتصيران واحدة ؛ وقال :


                                                          أيا ابن نخاسية أتوم



                                                          [ ص: 48 ] وقيل : الأتوم الصغيرة الفرج ؛ والمأتم كل مجتمع من رجال أو نساء في حزن أو فرح ؛ قال :


                                                          حتى تراهن لديه قيما     كما ترى حول الأمير المأتما



                                                          فالمأتم هنا رجال لا محالة ، وخص بعضهم به النساء يجتمعن في حزن أو فرح . وفي الحديث : فأقاموا عليه مأتما ؛ المأتم في الأصل : مجتمع الرجال والنساء في الغم والفرح ، ثم خص به اجتماع النساء للموت ، وقيل : هو الشواب منهن لا غير ، والميم زائدة . الجوهري : المأتم عند العرب النساء يجتمعن في الخير والشر ؛ وقال أبو حية النميري :


                                                          رمته أناة من ربيعة عامر     نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم



                                                          فهذا لا محالة مقام فرح ؛ وقال أبو عطاء السندي :


                                                          عشية قام النائحات وشققت     جيوب بأيدي مأتم وخدود



                                                          أي بأيدي نساء فهذا لا محالة مقام حزن ونوح . قال ابن سيده : وخص بعضهم بالمأتم الشواب من النساء لا غير ، قال : وليس كذلك ؛ وقال ابن مقبل في الفرح :


                                                          ومأتم كالدمى حور مدامعها     لم تيأس العيش أبكارا ولا عونا



                                                          قال أبو بكر : والعامة تغلط فتظن أن المأتم النوح والنياحة ، وإنما المأتم النساء المجتمعات في فرح أو حزن ؛ وأنشد بيت أبي عطاء السندي :


                                                          عشية قام النائحات وشققت     جيوب بأيدي مأتم وخدود



                                                          فجعل المأتم النساء ولم يجعله النياحة ؛ قال : وكان أبو عطاء فصيحا ، ثم ذكر بيت ابن مقبل :


                                                          ومأتم كالدمى حور مدامعها     لم تيأس العيش أبكارا ولا عونا



                                                          وقال : أراد ونساء كالدمى ؛ وأنشد الجوهري بيت أبي حية النميري :


                                                          رمته أناة من ربيعة عامر     نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم



                                                          يريد في نساء أي نساء ، والجمع المآتم ، وهو عند العامة المصيبة ؛ يقولون : كنا في مأتم فلان والصواب أن يقال : كنا في مناحة فلان . قال ابن بري : لا يمتنع أن يقع المأتم بمعنى المناحة والحزن والنوح والبكاء ؛ لأن النساء لذلك اجتمعن ، والحزن هو السبب الجامع ؛ وعلى ذلك قول التيمي في منصور بن زياد :


                                                          والناس مأتمهم عليه واحد     في كل دار رنة وزفير



                                                          وقال زيد الخيل :


                                                          أفي كل عام مأتم تبعثونه     على محمر ثوبتموه وما رضا



                                                          وقال آخر :


                                                          أضحى بنات النبي إذ قتلوا     في مأتم والسباع في عرس



                                                          أي : هن في حزن والسباع في سرور ؛ وقال الفرزدق :


                                                          فما ابنك إلا ابن من الناس     فاصبري فلن يرجع الموتى حنين المآتم



                                                          فهذا كله في الشر والحزن ، وبيت أبي حية النميري في الخير . قال ابن سيده : وزعم بعضهم أن المأتم مشتق من الأتم في الخرزتين ، ومن المرأة الأتوم ، والتقاؤهما أن المأتم النساء يجتمعن ويتقابلن في الخير والشر . وما في سيره أتم ويتم ؛ أي : إبطاء . وخطب فما زال على . . . شيء واحد . والأتم : شجر يشبه شجر الزيتون ينبت بالسراة في الجبال ، وهو عظام لا يحمل ، واحدته أتمة ، قال : حكاها أبو حنيفة . والأتم : موضع ؛ قال النابغة :


                                                          فأوردهن بطن الأتم شعثا     يصن المشي كالحدأ التؤام



                                                          وقيل : اسم واد ؛ قال ابن بري : ومثله قول الآخر :


                                                          أكلف أن تحل بنو سليم     بطون الأتم ظلم عبقري



                                                          قال : وقيل الأتم اسم جبل ؛ وعليه قول خفاف بن ندبة يصف غيثا :


                                                          علا الأتم منه وابل بعد وابل     فقد أرهقت قيعانه كل مرهق



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية