الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب ميراث المكاتب . ( قال ) : وإذا مات المكاتب عن وفاء وعليه دين وله وصايا من تدبير وغيره وترك ولدا حرا وولدا ولد في المكاتبة من أمته بدئ من تركته بديون الأجانب ; لأن دين الأجنبي أقوى من دين المولى حتى يبقى دين الأجنبي عليه بعد العجز دون دين المولى ثم بدين المولى إن كان ثم بالمكاتبة ; لأن دين المولى أقوى من بدل الكتابة إذ ليس لبدل الكتابة حكم الدين ما لم يقبض ولأنه يملك أن يعجز نفسه عن المكاتبة فيسقطها عن نفسه ، ولا يملك أن يعجز نفسه عن سائر الديون سوى المكاتبة ثم بالمكاتبة بعد ذلك فإن أديت حكم بحريته والباقي ميراث بين أولاده وبطلت وصاياه ; لأنه تبرع وقد بينا أن استناد العتق إنما يظهر في حكم الكتابة دون وصاياه ووصايا المكاتب في الحاصل على ثلاثة أوجه :

( أحدهما ) أن يوصي بشيء من أعيان كسبه فهذه الوصية باطلة سواء أدى الكتابة في حال حياته أو مات قبل الأداء ; لأن في الوصية بالعين يراعى قيام ملك الموصي وقت الإيصاء وملكه وقت الإيصاء لا يحتمل الوصية .

( والثاني ) أن يقول إذا عتقت فثلث مالي وصية لك فإن أدى بدل الكتابة وعتق ثم [ ص: 51 ] مات جازت الوصية ; لأن المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ، وإن لم يؤد حتى مات فهذه الوصية باطلة .

( والثالث ) أن يقول ثلث مالي وصية لفلان ثم يؤدي بدل الكتابة ثم يموت فهذه الوصية باطلة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى صحيحة عندهما وهو نظير ما تقدم في العتاق إذا قال : كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك مملوكا فإن مات المكاتب وترك ألفا وعليه للمولى ألف درهم دين وبدل الكتابة بدئ ببدل الكتابة استحسانا .

وفي القياس يبدأ بالدين ; لأن الدين أقوى من بدل الكتابة وللاستحسان وجهان :

( أحدهما ) أن المولى لو قبض هذا المال بجهة الكتابة يسلم له من تلك الجهة ولو قبضه من جهة الدين لا يسلم له من تلك الجهة ; لأنه تبين أنه مات عاجزا والمولى لا يستوجب على عبده دينا .

( والثاني ) أنه إذا قبض بجهة الكتابة سلم المال له ووصل المكاتب إلى شرف الحرية وإذا قبض بجهة الدين لا يسلم له إلا ذلك المال أيضا ولا تحصل الحرية للعبد فكان قبضه من جهة يحصل بها للعبد الحرية أولى ، وإن لم يترك مالا إلا دينا على إنسان فاستسعى الولد المولود في الكتابة ولا دين على المكاتبة سواها فعجز عنه وقد أيس من الدين أن يخرج فإنه يرد في الرق ; لأن الدين المأيوس تاو فلا يثبت باعتباره القدرة على الأداء وبدونه قد تحقق عجز الولد ولو تحقق عجز الأم في حياتها لكانت ترد في الرق ولا معتبر بالدين المأيوس عن خروجه فكذلك إذا تحقق عجز الولد فإذا خرج الدين بعد ذلك كان للمولى ; لأنه كسب أمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية