الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ خرص الثمار في الزكاة والعرايا ] : المثال التاسع والأربعون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا صلاحها كما رواه الشافعي عن عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكرم يخرص كما يخرص النخل ، ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا } وبهذا الإسناد بعينه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان يبعث من يخرص على الناس كرومهم وثمارهم } وقال أبو داود الطيالسي : ثنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن قال : سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار يقول : أتانا سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا خرصتم فدعوا الثلث ; فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع } قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ورواه أبو داود في السنن ، وروى فيها أيضا عن عائشة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ، ثم يخبر يهود فيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه إليهم بذلك الخرص ، لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق } وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب [ ص: 265 ] عن سعيد بن المسيب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر أقركم على ما أقركم الله ، على أن التمر بيننا وبينكم } قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول : إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلي ، وكانوا يأخذونه .

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { خرص حديقة المرأة وهو ذاهب إلى تبوك } وقال لأصحابه : اخرصوها ، فخرصوها بعشرة أوسق ، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا المرأة عن الحديقة ، فقالت : بلغ عشرة أوسق ، وفي الصحيحين من حديث زيد بن ثابت { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها تمرا } وصح عن عمر بن الخطاب أنه بعث سهل بن أبي حثمة على خرص التمر ، وقال : " إذا أتيت أرضا فاخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون " فردت هذه السنن كلها بقوله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } قالوا : الخرص من باب القمار والميسر ; فيكون تحريمه ناسخا لهذه الآثار ، وهذا من أبطل الباطل ; فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع ، كالفرق بين البيع والربا والميتة والمذكى ، وقد نزه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وعن إدخاله في الدين . ويا لله العجب ، أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر ، ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين ، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة ؟ وهذا والله الباطل حقا ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية