الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين كفروا إثر ما بين الدين الحق والتوحيد، وذكر أحوال الكتب الناطقة به وشرح شأن القرآن العظيم وكيفية إيمان العلماء الراسخين به، شرع في بيان حال من كفر به، والمراد بالموصول جنس الكفرة الشامل لجميع الأصناف، وقيل: وفد نجران أو اليهود من قريظة والنضير أو مشركو العرب.

                                                                                                                                                                                                                                      لن تغني عنهم أي: لن تنفعهم، وقرئ بالتذكير و بسكون الياء جدا في استثقال الحركة على حروف اللين.

                                                                                                                                                                                                                                      أموالهم التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا أولادهم الذين بهم ينتصرون في الأمور المهمة وعليهم يعولون في الخطوب الملمة، وتأخير الأولاد عن الأموال مع توسيط حرف النفي بينهما إما لعراقة الأولاد في كشف الكروب ،أو لأن الأموال أول عدة يفزع إليها عند نزول الخطوب.

                                                                                                                                                                                                                                      من الله من عذابه تعالى. شيئا أي: شيئا من الإغنياء، وقيل: كلمة "من" بمعنى البدل، والمعنى: بدل رحمة الله أو بدل طاعته كما في قوله تعالى: إن الظن لا يغني من الحق شيئا أي: بدل الحق ومنه قوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، أي: لا ينفعه جده بدلك، أي: بدل رحمتك، كما في قوله تعالى: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى وأنت خبير بأن احتمال سد أموالهم وأولادهم مسد رحمة الله تعالى أو طاعته مما لا يخطر ببال أحد حتى يتصدى لنفيه، والأول هو الأليق بتفظيع حال الكفرة وتهويل أمرهم، والأنسب بما بعده من قوله تعالى: وأولئك هم وقود النار ومن قوله تعالى: فأخذهم الله أي: أولئك المتصفون بالكفر: حطب النار وحصبها الذي تسعر به، فإن أريد بيان حالهم عند التسعير فإيثار الجملة الاسمية للدلالة على تحقق الأمر وتقرره، وإلا فهو للإيذان بأن حقيقة حالهم ذلك وأن أحوالهم الظاهرة بمنزلة العدم، فهم حال كونهم في الدنيا وقود النار بأعيانهم، وفيه من الدلالة على كمال ملابستهم بالنار ما لا يخفى، و "هم" يحتمل الابتداء، وأن يكون ضمير الفصل، و الجملة إما مستأنفة مقررة لعدم الإغنياء أو معطوفة على خبر إن، و أيا ما كان; ففيها تعيين للعذاب الذي بين أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم منه شيئا. وقرئ "وقود النار" بضم الواو وهو مصدر، أي: أهل وقودها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية