الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4122 باب: في الفأل الصالح

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب الطيرة، والفأل، وما يكون فيه الشؤم).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 218 جـ 14، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أبا هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا طيرة. وخيرها الفأل". قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة، يسمعها أحدكم"].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم يقول: "لا طيرة. وخيرها الفأل".

                                                                                                                              فيه: التصريح: بأن الفأل من جملة الطيرة، لكنه يستثنى.

                                                                                                                              (قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة، يسمعها أحدكم".

                                                                                                                              وفي رواية: "لا طيرة. ويعجبني الفأل، الكلمة الحسنة. الكلمة الطيبة".

                                                                                                                              وفي رواية: "وأحب الفأل الصالح.

                                                                                                                              [ ص: 390 ] "والطيرة": هو التطير. أي: التشاؤم. وأصله: الشيء المكروه; من قول، أو فعل، أو مرئي. وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح; فينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين: تبركوا به، ومضوا في سفرهم وحوائجهم. وإن أخذت ذات الشمال: رجعوا عن سفرهم وحاجتهم، وتشاءموا بها. فكانت تصدهم -في كثير من الأوقات- عن مصالحهم. فنفى الشرع ذلك وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر. فهذا معنى قوله: "لا طيرة".

                                                                                                                              وفي حديث آخر: "الطيرة شرك". أي: اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذ عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها، فهو شرك؛ لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد.

                                                                                                                              وأما "الفأل، فمهموز، ويجوز ترك همزه. وجمعه: "فؤول". كفلس وفلوس. وقد فسره النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: بالكلمة الصالحة، والحسنة، والطيبة.

                                                                                                                              قال العلماء: يكون الفأل فيما يسر، وفيما يسوء. والغالب: في السرور.

                                                                                                                              [ ص: 391 ] "والطيرة": لا تكون إلا فيما يسوء. قالوا: وقد تستعمل مجازا في السرور.

                                                                                                                              يقال: "تفاءلت بكذا". بالتخفيف. "وتفألت بالتشديد، وهو الأصل. والأول مخفف منه، ومقلوب عنه.

                                                                                                                              قال أهل العلم: وإنما أحب الفأل؛ لأن الإنسان: إذا أمل فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قوي أو ضعيف: فهو على خير في الحال. وإن غلط في جهة الرجاء، فالرجاء له: خير. وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى، فإن ذلك شر له. والطيرة فيها سوء الظن، وتوقع البلاء.

                                                                                                                              ومن أمثال التفاؤل: أن يكون له مريض، فيتفاءل بما يسمعه، فيسمع من يقول: يا سالم! أو يكون طالب حاجة، فيسمع من يقول: يا واجد! فيقع في قلبه: رجاء البرء. أو الوجدان. والله أعلم. هذا كلام النووي، رحمه الله تعالى.

                                                                                                                              وفي حديث أنس، عند الترمذي وصححه: "أن النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم، كان إذا خرج لحاجة، يعجبه أن يسمع: يا نجيح! يا راشد".

                                                                                                                              [ ص: 392 ] وفي حديث بريدة، عند أبي داود بسند حسن: "أن النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم; كان لا يتطير من شيء. وكان إذا بعث غلاما، يسأله عن اسمه. فإذا أعجبه: فرح. وإن كرهه: رئي كراهية ذلك في وجهه".

                                                                                                                              وأما رؤية الفأل -واستخراجه من ديوان الحافظ الشيرازي، وغيره من الكتب، ومن القرآن الكريم-: فلم يأت في ذلك شيء. وظاهره: خلاف السنة المأثورة في ذلك. ولم يكن هذا من عادة سلف هذه الأمة وأئمتها، فينبغي: أن يقتصر على ما ورد; من سماع الكلمة الصالحة، من غير اقتراح لها: من الدواوين، والكتب، والكتاب. والله أعلم بالصواب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية