الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قال على جهة التلطف به والطمع في إيمانه أولو جئتك بشيء مبين أي: تفعل ذلك ولو جئتك بشيء مبين، أي: موضح لصدق دعواي، يريد به المعجزة، فإنها جامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته وبين الدلالة على صدق دعوى من ظهرت على يده، والتعبير عنها بشيء للتهويل، والواو للعطف على جملة مقابلة للجملة المذكورة، ومجموع الجملتين المتعاطفتين في موضع الحال ولو للبيان، تحقيق ما يفيده الكلام السابق من الحكم على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له؛ ليظهر تحققه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية، أي: أتفعل في ذلك حال عدم مجيئي بشيء مبين وحال مجيئي به، وتصدير المجيء بـ(لو) دون (إن) ليس لبيان [ ص: 75 ] استبعاده في نفسه بل بالنسبة إلى فرعون، وجعل بعضهم الواو للحال على معنى أن الجملة التي بعدها حال، أي: أتفعل في ذلك جائيا بشيء مبين، وهو ظاهر كلام الكشاف هنا، وظاهر كلام الكشف أن الاستفهام للإنكار على معنى: لا تقدر على فعل ذلك مع أني نبي بالمعجزة، والظاهر تعلق هذا الكلام بالوعيد الصادر من اللعين، فذلك في تفسيره إشارة إلى جعله - عليه السلام - من المسجونين، فكأنه قال: أتجعلني من المسجونين إن اتخذت إلها غيرك ولو جئتك بشيء مبين؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى ذلك حمل الطيبي كلام الكشاف، ثم قال: يمكن أن يقال: إن الواو عاطفة وهي تستدعي معطوفا عليه، وهو ما سبق في أول المكالمة بين نبي الله تعالى وعدوه، والهمزة مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه للتقرير، والمعنى: أتقر بالوحدانية وبرسالتي إن جئتك بعد الاحتجاج بالبراهين القاهرة والمعجزات الباهرة الظاهرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ( ولو ) بمعنى إن عز بز، ويؤيد هذا التأويل ما في الأعراف: قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين انتهى، وهو كما ترى، وفيه جعل ( مبين ) من أبان اللازم بمعنى بان، وجعله من أبان المتعدي وحذف المفعول - كما أشرنا إليه - أنسب للمقام، ولما سمع فرعون هذا الكلام من موسى - عليه السلام -

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية