الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله : " ولو جعل للوكيل فيما وكله جعلا فقال للموكل : جعلي قبلك وقد دفعت إليك مالك فقال بل خنتني فالجعل مضمون لا تبرئه منه دعواه الخيانة عليه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، وقد ذكرنا أن الوكالة تجوز بجعل وبغير جعل ولا يصح الجعل إلا أن يكون معلوما ، فلو قال : قد وكلتك في بيع هذا الثوب على أن جعلك عشر ثمنه أو من كل مائة درهم في ثمنه درهم لم يصح للجهل بمبلغ الثمن وله أجرة مثله .

                                                                                                                                            فلو وكله في بيع ثوب بجعل معلوم فباعه بيعا فاسدا فلا جعل له لأن مطلق الإذن بالبيع يقتضي ما صح منه ، فصار الفاسد غير مأذون فيه فلم يستحق جعلا عليه .

                                                                                                                                            [ ص: 530 ] فلو باعه بيعا صحيحا وقبض ثمنه وتلف الثمن في يده فله الأجرة لوجود العمل ، وهذا بخلاف الصانع إذا استؤجر على خياطة ثوب أو قصارته فتلف في يده بعد عمله فلا أجرة له إن كان مشتركا .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن المقصود من الأجير تسليمه العمل المستحق في مقابلة العوض فما لم يحصل التسليم لم يجب ما في مقابلته من العوض .

                                                                                                                                            والمقصود من الوكيل وجود العمل المأذون فيه ، فلو باع الوكيل الثوب فتلف الثوب في يده قبل تسليمه إلى مستحقه بطل البيع ولم يبطل جعل الوكيل ؛ لأن بطلانه بمعنى حادث بعد صحته فصار بالعمل موجودا منه وكان بخلاف وقوع البيع فاسدا .

                                                                                                                                            فلو سلم الثوب إلى مشتريه وقبض ثمنه فتلف في يده ثم استحق الثوب في يد المشتري كان البيع فاسدا وللوكيل جعله لأن بطلانه ليس من جهة الوكيل ، فصار مقصوده بالإذن مجرد العمل على وجه الصحة دون الصحة وقد وجد من الوكيل ذلك العمل .

                                                                                                                                            أما رجوع المشتري بالثمن فإن لم يعلم بالوكالة فله الرجوع على الوكيل ، ويرجع الوكيل به على الموكل ، وإن علم بالوكالة ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي حامد المروزي ذكره في جامعه : أنه يرجع به على الموكل دون الوكيل : لأنه مبيع عليه كالمبيع على المفلس .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن له أن يرجع على من شاء من الموكل والوكيل لأن لكل واحد منهما في العقد تأثيرا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية