الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ؛ أي: يعلمه ذلك وحيا وإلهاما؛ ونصب ورسولا إلى بني إسرائيل ؛ على وجهين؛ أحدهما: " ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل " ؛ والاختيار عندي - والله أعلم -: " ويكلم الناس رسولا إلى بني إسرائيل " ؛ والدليل على ذلك أنه قال: أني قد جئتكم بآية من ربكم ؛ فالمعنى - والله أعلم -: " ويكلمهم رسولا بأني قد جئتكم بآية من ربكم " ؛ ولو قرئت: " إني قد جئتكم " ؛ بالكسر؛ كان صوابا؛ المعنى: " إني قد جئتكم بآية من ربكم؛ أي: بعلامة تثبت رسالتي " . وقوله - جل وعز -: أني أخلق لكم من الطين ؛ يصلح أن يكون خفضا؛ ورفعا؛ فالخفض على البدل من " آية " ؛ المعنى: " جئتكم بأني أخلق لكم من الطين " ؛ وجائز أن يكون: " إني أخلق لكم من الطين " ؛ يخبرهم بهذه الآية ما هي؛ أي: " أقول لكم: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " ؛ يقال: إنه صنع كهيئة الخفاش؛ ونفخ فيه فصار طيرا؛ وجاز أن يكون فأنفخ فيه ؛ للفظ الطين؛ وقال - في موضع آخر -: فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ؛ للفظ الهيئة.

                                                                                                                                                                                                                                        وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ؛ [ ص: 414 ] " الأكمه " : الذي يولد أعمى؛ قال الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                        هرجت فارتد ارتداد الأكمه



                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: وأنبئكم بما تأكلون ؛ أي: أخبركم بمأكولكم؛ فجائز أن تكون " ما " ؛ ههنا؛ في موضع " الذي " ؛ والمعنى: " أنبئكم بالذي تأكلونه وتدخرونه " ؛ ويجوز أن يكون " ما " ؛ وما وقع بعدها بمنزلة المصدر؛ المعنى: " أنبئكم بأكلكم وادخاركم " ؛ والأول أجود.

                                                                                                                                                                                                                                        ومعنى تدخرون جاء في التفسير: ما تأكلون في غدوكم؛ و " تدخرون " ؛ بالدال؛ والذال؛ وقال بعض النحويين: إنما اختير " تدخرون " ؛ لأن التاء تدغم في الذال؛ نحو " تذكرون " ؛ فكرهوا " تذخرون " ؛ لأنه لا يشبه ذلك؛ فطلبوا حرفا بين التاء والذال؛ فكان ذلك الحرف الدال؛ وهذا يحتاج صاحبه إلى أن يعرف الحروف المجهورة والمهموسة؛ وهي - فيما زعم الخليل - ضربان؛ فالمهجورة حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه؛ ومنع النفس أن يجري معه؛ والمهموس حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه؛ وجرى معه النفس؛ وإنما قيل: " تدخرون " ؛ وأصله " تذخرون " : أي: " يفتعلون " ؛ من " الذخر " ؛ لأن الذال حرف مجهور؛ لا يمكن النفس أن يجري معه؛ لشدة اعتماده في مكانه؛ والتاء مهموسة؛ فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور؛ يشبه الذال في جهرها؛ وهو الدال؛ فصار " تذدخرون " ؛ ثم أدغمت الذال في الدال؛ وهذا أصل الإدغام؛ أن تدغم الأول في الثاني؛ و " تذخرون " ؛ جائز؛ فأما ما قال في الملبس فليس " تذخرون ملبسا " ؛ بشيء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية