الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا أدرك الإمام وقد سبقه ببعض الصلاة كبر ودخل معه في الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم { ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا } ويقرأ ما يقتضيه ترتيب صلاته ، لا ما يقرأ الإمام ; لأنه يمكنه أن يأتي بما يقتضيه [ ص: 201 ] ترتيب صلاته مع المتابعة فإذا سلم الإمام أتى بما بقي من التكبيرات نسقا من غير دعاء في أحد القولين ، ; لأن الجنازة ترفع قبل أن يفرغ فلا معنى للدعاء بعد غيبة الميت ويدعو للميت ثم يكبر ويسلم في القول الثاني ; لأن غيبة الميت لا تمنع فعل الصلاة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه في باب صلاة الجماعة ( وقوله ) : نسقا - بفتح السين - أي : متتابعات بغير ذكر بينهن ، وقوله كبر ودخل معه في الحال . ولا ينتظر تكبيرته الأخرى فيكبر معه خلافا لأبي حنيفة وموافقيه في قولهم ينتظر . قال أصحابنا : إذا وجد المسبوق الإمام في صلاة الجنازة كبر في الحال وصار في الصلاة ولا ينتظر تكبيرته الأخرى فيكبر معه خلافا لأبي حنيفة وموافقيه في قولهم ينتظر . قال أصحابنا إذا وجد المسبوق الإمام في صلاة الجنازة كبر في الحال وصار في الصلاة ولا ينتظر تكبيرة الإمام المستقبلة للحديث المذكور وقياسا على سائر الصلوات . قال أصحابنا : فإذا كبر شرع في قراءة الفاتحة ثم يراعي في باقي التكبيرات ترتيب نفسه لا ما يقوله الإمام لما ذكره المصنف ، فلو كبر الإمام الثانية عقب فراغ المسبوق من الأولى كبر معه الثانية ، وسقطت عنه القراءة كما لو ركع الإمام في سائر الصلوات عقب إحرام المسبوق . فإنه يركع معه .

                                      قال أصحابنا : ويكون مدركا للتكبيرتين جميعا بلا خلاف . كما يدرك المسبوق الركعة بالركوع . ولو كبر الإمام الثانية والمسبوق في أثناء الفاتحة فهل يقطع القراءة ويتابعه في التكبيرة الثانية وتكون التكبيرتان حاصلتين له أم يتم القراءة ؟ فيه طريقان : ( أصحهما ) : وبه قطع الأكثرون وممن صرح به الفوراني والبندنيجي وابن الصباغ والمتولي وصاحب العدة وصاحبا المستظهري والبيان والرافعي وآخرون : فيه الوجهان المعروفان في سائر الصلوات ( أحدهما ) : يتمها وبه قطع الغزالي في الوجيز ، وهو شاذ مردود لم يوافق عليه ( وأصحهما ) : يقطع القراءة ويتابعه ، وتحصل له التكبيرتان للعذر . [ ص: 202 ] وللطريق الثاني ) : يقطعها ويتابعه وبهذا قطع الماوردي والقاضي حسين والسرخسي وغيرهم ، فإذا قلنا بالمذهب : إنه يقطع القراءة كبر الثانية مع الإمام وحصل له التكبيرتان كما ذكرنا ، وهل يقتصر عقب التكبيرة الثانية على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وما يتعلق بالتكبيرة الثانية ؟ أم يضم إليه تتميم الفاتحة ؟ فيه احتمالات ذكرهما صاحب الشامل ( أصحهما ) : وهو مقتضى كلام الجمهور أنه يقتصر وقد سقطت بقية الفاتحة ، كما سقطت في باقي الصلوات والله أعلم .

                                      أما إذا سلم الإمام وقد بقي عليه بعض التكبيرات فإنه يأتي بها بعد سلام الإمام ولا تصح صلاته إلا بتداركها بلا خلاف ، وهل يقتصر على التكبيرات نسقا من غير ذكر بينهن أم يأتي بالأذكار والدعاء المشروع في حق الإمام والمنفرد والمأموم الموافق على ترتيب الأذكار ؟ فيه القولان اللذان ذكرهما المصنف ( أصحهما ) : أنه يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والدعاء . على ما سبق بيانه وترتيبه . ممن صرح بتصحيحه البغوي والمتولي والروياني في الحلية والرافعي في كتابيه الشرح والمجرد وغيرهما ، وجزم به الدارمي في الاستذكار . وجزم المصنف في التنبيه بالتكبيرات نسقا .

                                      وقد أشار الشافعي رحمه الله إلى ترجيح هذا القول في البويطي فإنه قال : وليقض ما فاته من التكبير نسقا متتابعا ثم يسلم . وقد قيل : يدعو بينهما للميت . هذا نصه . ومن البويطي نقلته وكذا نقله القاضي أبو الطيب عن نصه في البويطي . قال أبو الطيب في كتابه المجرد : قال أصحابنا : يكبر باقي التكبيرات متواليا ، قال : ورأيت في البويطي يقول : وليقض ما فاته من التكبيرات نسقا متتابعا ثم يسلم قال : وقد قيل : يدعو بينهما للميت . قال القاضي : فالظاهر من هذا أن المسألة على قولين . هذا كلام القاضي واعلم أن القولين في وجوب الذكر ( أحدهما ) : يجب ولا تصح الصلاة إلا به ( والثاني ) : لا يجب صرح به صاحب البيان . قال أصحابنا رحمهم الله : ويستحب أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوقون ما عليهم ، فإن رفعت لم تبطل صلاتهم بلا خلاف ، يتمونها ، [ ص: 203 ] وإن حولت الجنازة عن القبلة بخلاف ابتداء الصلاة فإنه لا يحتمل فيه ذلك ، والجنازة حاضرة والفرق أنه يحتمل في الدوام ما لا يحتمل في الابتداء والله أعلم .



                                      ( فرع ) لو تخلف المقتدي فلم يكبر التكبيرة الثانية أو الثالثة حتى كبر الإمام التكبيرة التي بعدها بغير عذر بطلت صلاته ، صرح به الشيخ أبو محمد الجويني وإمام الحرمين والغزالي وآخرون من الخراسانيين ، قالوا : لأن القدوة في هذه الصلاة لا تظهر إلا بالموافقة في التكبيرات وكأنه تخلف بركعة .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في كيفية صلاة الجنازة ذكرنا اختلافهم في عدد التكبيرات واختلافهم في رفع الأيدي فيها واختلاف أصحابنا في دعاء الافتتاح والتعوذ والسورة ، وذكرنا أن مذهبنا وجوب قراءة الفاتحة وبه قال أحمد وإسحاق وداود رحمهم الله ، وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وعبيد بن عمير وحكي عن ابن المسيب وطاوس وعطاء وابن سيرين وابن جبير والشعبي ومجاهد وحماد ومالك والثوري وأبي حنيفة وأصحاب الرأي أنها لا تجب ، قال : وروي ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قال : وروينا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال : قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ثلاث مرات قال : وروينا هذا عن ابن سيرين وشهر بن حوشب . قال الحسن البصري رضي الله عنه : اقرأ الفاتحة في كل تكبيرة ، قال وروينا عن المسور بن مخرمة أنه قرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة ، ورفع بها صوته ، قال ابن المنذر رحمه الله : عندي يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ، هذه مذاهبهم . ودليلنا على جميعهم حديث ابن عباس السابق وهو في صحيح البخاري رحمه الله .

                                      أما المسبوق الذي فاته بعض التكبيرات فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمه تدارك باقي التكبيرات بعد سلام الإمام ، وحكاه ابن المنذر عن [ ص: 204 ] ابن المسيب وعطاء وابن سيرين والنخعي والزهري وقتادة ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق ، قال ابن المنذر : وبه أقول ، قال : وروينا عن ابن عمر أنه لا يقضيه ، وبه قال الحسن البصري وأيوب والأوزاعي ، وحكاه العبدري عن ربيعة ، قال : وهو أصح الروايتين عن أحمد رحمه الله .

                                      ( وأما ) المسبوق الذي أدرك بعض صلاة الإمام فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يكبر في الحال ولا ينتظر تكبيرة الإمام المستقبلة ، وبه قال الأوزاعي وأبو يوسف وهو الصحيح عن أحمد ورواية عن مالك ، وبه قال ابن المنذر ، وقال أبو حنيفة ينتظره حتى يكبر للمستقبلة فيكبرها معه ، وحكاه ابن المنذر عن الحارث بن يزيد ومالك والثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وإسحاق .

                                      ( وأما ) السلام فذكرنا أن الصحيح في مذهبنا تسليمتان ، وبه قال أبو حنيفة وقال أكثر العلماء : تسليمة واحدة حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى وأبي أمامة بن سهل بن حنيف والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير والثوري وابن عيينة وابن المبارك وعيسى بن يونس ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد وإسحاق رضي الله عنهم .




                                      الخدمات العلمية