الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الخلاصة والبزازية قال أبو حنيفة إذا وقف مالا لبناء القناطر أو لإصلاح الطريق أو لحفر القبور أو لاتخاذ السقايات أو لشراء الأكفان لفقراء المسلمين لا يجوز بخلاف الوقف للمساجد لجريان العادة بالثاني دون الأول وقف على فقراء مكة أو فقراء قرية معروفة إن كانوا لا يحصون يجوز في الحياة وبعد الممات لأنه مؤبد وإن كانوا لا يحصون يجوز بعد الموت لأنه وصية والوصية لقوم يحصون تجوز حتى إذا انقرضوا صار ميراثا منهم وإن كان [ ص: 215 ] في الحياة لا يجوز وقف أرضه على عمارة مصاحف موقوفة لا يصح لأنه لا عرف فيه وقف على أمهات أولاده وعبيده فالوقف باطل في قول هلال .

                                                                                        وفي الفتاوى وقف على أمهات أولاده إلا من تزوج فلا شيء لها فإن طلقها زوجها لا يعود حقها الساقط إلا إذا كان الواقف استثنى وقال من طلقت فلها أيضا قسط من الوقف وذكر الخصاف قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله تعالى على الناس أو على بني آدم أو على أهل بغداد أبدا فإذا انقرضوا فعلى المساكين أو على العميان أو على الزمنى فالوقف باطل وذكر الخصاف في موضع آخر مسألة العميان والزمنى وقال الغلة للمساكين لا لهما ولو وقف على قراء القرآن والفقراء فالوقف باطل .

                                                                                        وذكر هلال الوقف على الزمنى المنقطعين صحيح وقال المشايخ الوقف على معلم المسجد الذي يعلم الصبيان غير صحيح وقيل يصح لأن الفقر غالب فيهم قال شمس الأئمة فعلى هذا إذا وقف على طلبة علم بلدة كذا يجوز لأن الفقر غالب فيهم فكان الاسم منبئا عن الحاجة .

                                                                                        والحاصل أنه متى ذكر مصرفا فيه نص على الفقراء والحاجة فالوقف صحيح يحصون أم لا وقوله يحصون إشارة إلى أن التأبيد ليس بشرط ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الغني والفقير إن كانوا يحصون صح بطريق التمليك وإن كانوا لا يحصون فهو باطل إلا أن يكون في لفظه ما يدل على الحاجة كاليتامى فحينئذ إن كانوا يحصون فالأغنياء والفقراء سواء وإن لا يحصون فالوقف صحيح ويصرف إلى فقرائهم لا إلى أغنيائهم وكذا لو وقف على الزمنى فهو على فقرائهم وفي الفتاوى لو وقف على الجهاد والغزو أو في أكفان الموتى أو حفر القبور يفتى بالجواز وهذا على خلاف ما تقدم ولو وقف على أبناء السبيل يجوز ويصرف إلى فقرائهم وقف على أصحاب الحديث لا يدخل فيه شفعوي المذهب إذا لم يكن في طلب الحديث ويدخل الحنفي إذا كان في طلبه .

                                                                                        وذكر بكر أن الوقف على أقرباء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين يجوز وإن كان لا يجوز الصدقة عليهم وفي الفتاوى أنه لا يجوز ولا يصير وقفا لعدم جواز صرف الصدقة لبني هاشم لكن في جواز الوقف وصدقة النفل عليهم روايتان الوقف على الصوفية وصوفي خانه لا يجوز قال شمس الأئمة يجوز على الصوفية . ا هـ .

                                                                                        وفي الإسعاف روي عن محمد أن ما لا يحصى عشرة وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى على أنه مفوض إلى رأي الحاكم ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية لو وقف على كل مؤذن وإمام في مسجد معين قال الشيخ إسماعيل الزاهد لا تجوز لأنها قربة وقعت لغير معين وقد يكونان غنيين أو فقيرين وإن كان المؤذن فقيرا لا يجوز أيضا والحيلة أن يقول على كل مؤذن فقير بهذا المسجد أو المحلة فإذا خرب كان على الفقراء ولو قال على كل مؤذن فقير لا يجوز للجهالة ولو وقفه على ولد عبد الله ونسله فلم يقبلوا كانت الغلة للفقراء ولو حدثت الغلة بعد ذلك فقبلوا كانت الغلة لهم فإن أخذوها سنة ثم قالوا لا نقبل فليس لهم ذلك .

                                                                                        قال الفقيه أبو جعفر هذا الجواب يستقيم في حق الغلة المأخوذة لأنها صارت لهم فلا يملكون الرد أما التي تحدث فلهم الرد لأنه لا ملك لهم فيها إنما الثابت لهم مجرد الحق ومجرد الحق يقبل الرد وإن قال أقبل سنة ولا أقبل فيما سوى ذلك أو على العكس كان الأمر كما قال ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على عبد الله فقال عبد الله لا أقبل فالوقف جائز والغلة للفقراء ولو قال صدقة على ولد عبد الله ونسله فأبى رجل من ولده أن يقبل فالغلة لمن قبل منهم ويجعل من لم يقبل بمنزلة الميت .

                                                                                        هكذا ذكر هلال والخصاف ولو قال على زيد وعمر ما عاشا ومن بعدهم على المساكين فقال زيد قبلت وقال عمرو لا أقبل فلزيد نصف الغلة والنصف الآخر للمساكين وعلى قياس ما قدمنا ذكره ينبغي أن تكون [ ص: 216 ] كل الغلة لزيد ولكن الفرق بينهما أن نقول إن فيما تقدم أوجب الوقف باسم الولد واسم الولد ينتظم الواحد فصاعدا فحاز الفرد الواحد استحقاق الكل ولا كذلك ما نحن فيه لأن اسم زيد لا ينتظم المذكورين واسم المذكورين لا ينتظم زيدا فلا يكون لهذا استحقاق الكل وتمامه فيها .

                                                                                        وفي المحيط لا يجوز الوقف على الأغنياء وحدهم ولو شرط بعدهم للفقراء جاز ولو وقف على معين ولم يذكر آخره للفقراء فهو على ستة الأول هذه صدقة لله أو موقوفة لله أو صدقة موقوفة لله تعالى صار وقفا على الفقراء ذكر الأبد أو لا الثاني موقوفة صدقة على وجوه البر أو الخير أو اليتامى جاز مؤبدا كالفقراء .

                                                                                        والثالث موقوفة على فلان بعينه أو على ولدي أو فقراء قرابتي لا يصير وقفا عند محمد ويصح عند أبي يوسف والرابع صدقة موقوفة على فلان جاز عند الكل الخامس وقف على المساكين جاز بلا ذكر الأبد السادس على العمارة لمسجد بعينه ولم يذكر آخره للمساكين قيل عند محمد لا يجوز وعند أبي يوسف يجوز وقيل يجوز اتفاقا وهو المختار لمكان العرف ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله أو لشراء الأكفان إلخ ) سيأتي أنه يفتى بالجواز [ ص: 215 ] ( قوله فالوقف باطل ) لأنه للغني والفقير وهم لا يحصون وإنما لم يكن جائزا وتكون الغلة للمساكين لأنه لم يقصد بها المساكين بخلاف قوله على ولد زيد فإنه إذا لم يكن لزيد ولد تكون للمساكين ثم إذا حدث له ولد ردت الغلة إليهم لأن زيدا رجل بعينه فالوقف على ولده جائز أما أهل بغداد وقريش ونحوهم فإنهم موجودون ولكن يدخل فيهم الغني والفقير وهم لا يحصون فلذا بطل الوقف عليهم وكذا لو قال على أهل بغداد ثم على المساكين لأن أهل بغداد لا ينقرضون ولا يكون للمساكين إلا بعد انقراضهم . ا هـ .

                                                                                        ملخصا من الخصاف [ ص: 216 ] ( قوله فهو على ستة إلخ ) يظهر منه إنه إن أراد بالمعين ما يشمل الموقوف لأجله وهو الله تعالى أو الموقوف عليه عاما كوجوه البر أو خاصا كفلان ولا يخفى ما فيه من التسامح ( قوله والثالث إلخ ) يخالفه ما قدمه قبل ورقة عن ظاهر المجتبى والخلاصة وما قدمناه عن الإسعاف وغيره ( قوله جاز عند الكل ) لأنه لما قال صدقة صار كأنه ذكر الفقراء وهو تأبيد معنى بخلاف ما إذا اقتصر على قوله موقوفة فإنه لم يذكر فيه التأبيد لا لفظا ولا معنى فيجري فيه الخلاف




                                                                                        الخدمات العلمية