الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4150 باب: إيذان العوامر ثلاثا

                                                                                                                              وهو في النووي، في (الباب المتقدم).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص234، 235 جـ14، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن صيفي وهو عندنا مولى ابن أفلح; أخبرني أبو السائب، مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن اجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك [ ص: 410 ] وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله يحييه لنا فقال: "استغفروا لصاحبكم" ثم قال: "إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك، فاقتلوه، فإنما هو شيطان"].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة) رضي الله عنه; (أنه دخل على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، (في بيته. قال: فوجدته يصلي. فجلست أنتظره، حتى يقضي صلاته. فسمعت تحريكا في عراجين، في ناحية البيت. فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي: أن اجلس، فجلست. فلما انصرف، أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. فقال: كان فيه فتى منا، حديث عهد بعرس. قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، إلى الخندق. فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، بأنصاف النهار.. فيرجع إلى أهله) [ ص: 411 ] قال أهل العلم: هذا الاستئذان، امتثال لقوله تعالى: وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه .

                                                                                                                              "وأنصاف النهار": بفتح الهمزة. أي: منتصفه. وكأنه وقت لآخر النصف الأول، وأول النصف الثاني: فجمعه. كما قالوا: "ظهور الترسين".

                                                                                                                              وأما رجوعه إلى أهله، فليطالع حالهم، ويقضي حاجتهم، ويؤنس امرأته، فإنها كانت عروسا. كما ذكر في الحديث.

                                                                                                                              (فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة". فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين، قائمة. فأهوى إليها بالرمح؛ ليطعنها به -وأصابته غيرة- فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت، حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل، فإذا بحية عظيمة، منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به. ثم خرج فركزه في الدار. فاضطربت عليه. فما ندري! أيهما كان أسرع موتا: الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم; وذكرنا ذلك له. وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: "استغفروا لصاحبكم". ثم قال: "إن بالمدينة جنا أسلموا. فإذا [ ص: 412 ] رأيتم منهم شيئا، فآذنوه ثلاثة أيام. فإن بدا لكم بعد ذلك، فاقتلوه. فإنما هو شيطان).

                                                                                                                              قال العلماء: معناه: وإذا لم يذهب بالإنذار: علمتم أنه ليس من عوامر البيوت، ولا ممن أسلم من الجن. بل هو شيطان، فلا حرمة عليكم، فاقتلوه. ولن يجعل الله له سبيلا، للانتصار عليكم: بثأره، بخلاف العوامر، ومن أسلم.

                                                                                                                              وفي رواية: "إن لهذه البيوت عوامر. فإذا رأيتم شيئا منها، فحرجوا عليها ثلاثا. فإن ذهب، وإلا فاقتلوه، فإنه كافر".

                                                                                                                              قال المازري: لا تقتل حيات المدينة، إلا بإنذارها، كما جاء في الحديث. فإذا أنذرها ولم تنصرف: قتلها. وأما حيات غير المدينة المنورة، في جميع الأرض والبيوت والدور: فندب قتلها من غير إنذار؛ لعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بقتلها. ففي هذه الأحاديث: "اقتلوا الحيات". وفي الحديث الآخر: "خمس يقتلن في الحل والحرم". منها; الحية، ولم يذكر إنذارا.

                                                                                                                              [ ص: 413 ] وفي حديث الحية الخارجة بمنى: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم: أمر بقتلها، ولم يذكر إنذارا". ولا نقل: أنهم أنذروها.

                                                                                                                              قالوا: فأخذ بهذه الأحاديث، في استحباب قتل الحيات مطلقا، وخصت المدينة بالإنذار، للحديث الوارد فيها. وسببه صرح به في الحديث: "أنه أسلم طائفة من الجن بها". وذهبت طائفة من العلماء، إلى عموم النهي: في حيات البيوت، بكل بلد، حتى تنذر. وأما ما ليس في البيوت، فيقتل من غير إنذار. قال مالك: يقتل ما وجد منها، في المساجد.

                                                                                                                              قال النووي: وأما صفة الإنذار، فقال عياض: روى ابن حبيب، عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه يقول: أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود عليهما السلام: أن لا تؤذونا، ولا تظهرن لنا".

                                                                                                                              وقال مالك: يكفي أن يقول: "أحرج عليك بالله، واليوم الآخر: أن لا تبدو لنا، ولا تؤذينا". ولعل مالكا: أخذ لفظ التحريج، مما وقع في صحيح مسلم: "فحرجوا عليها ثلاثا". والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية