الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4162 باب: سقي البهائم

                                                                                                                              وقال النووي: (فضل سقي البهائم المحترمة، وإطعامها).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص241، 242 جـ14، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله [ ص: 424 ] له، فغفر له" قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة أجر"].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه; أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم; قال: بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش. فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب. ثم خرج، فإذا كلب يلهث); يقال: "لهث" بفتح الهاء وكسرها: "يلهث": بفتحها لا غير. "لهثا" بإسكانها، والاسم: "اللهث" بفتحها. "واللهاث، بضم اللام. و"رجل لهثان". و"امرأة لهثى": كعطشى، وعطشان. وهو" الذي أخرج لسانه، من شدة العطش، والحر.

                                                                                                                              (يأكل الثرى)، وهو التراب الندي.

                                                                                                                              (من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش، مثل الذي كان بلغ مني. فنزل البئر، فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه، حتى رقي، فسقى الكلب).

                                                                                                                              يقال: "رقي" بكسر القاف، على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكي: "فتحها"، وهي لغة طيئ في كل ما أشبه هذا.

                                                                                                                              (فشكر الله له، فغفر له). أي: قبل عمله، وأثابه.

                                                                                                                              [ ص: 425 ] (قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في هذه البهائم: أجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة: أجر". يعني. في الإحسان إلى كل حيوان حي; بسقيه ونحوه: أجر.

                                                                                                                              وسمي الحي: "ذا كبد رطبة"; لأن الميت يجف جسمه، وكبده.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم. وهو ما لا يؤمر بقتله. فأما المأمور بقتله; فيمتثل أمر الشرع في قتله. والمأمور بقتله: كالكافر الحربي، والمرتد، والكلب العقور، والفواسق الخمس، المذكورات في الحديث، وما في معناهن.

                                                                                                                              وأما المحترم; فيحصل الثواب: بسقيه، والإحسان إليه بإطعامه وغيره، سواء كان مملوكا له، أو لغيره، أو مباحا.

                                                                                                                              وفي حديث آخر عنه، عند مسلم يرفعه: "أن امرأة بغيا، رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر. قد أدلع لسانه من العطش. فنزعت له بموقها، فغفر لها".

                                                                                                                              "والبغي"، هي الزانية. "والبغاء": بالمد، هو الزنا. ومعنى "يطيف": يدور حولها.

                                                                                                                              "وأدلع لسانه ودلعه": لغتان. "والموق" بضم الميم: هو "الخف". فارسي معرب.

                                                                                                                              يقال: "نزعت بالدلو" إذا استقيت بها، من البئر ونحوها. ونزعت الدلو أيضا.

                                                                                                                              [ ص: 426 ] وفي الحديث: دليل على أن العمل اليسير، قد يكون سببا للغفران والرضوان. وهو موافق لقوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ونقيضه: ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فهو سبحانه يثيب على "ذرة": من يشاء، ويأخذ على "ذرة": من يشاء. ومن [ ص: 427 ] صفاته الحسنى: "الغفار والقهار" ولكن سبقت رحمته على غضبه. يدل لذلك: غين الغفار، وقاف القهار. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية