الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 64 ] اعلم أنه تعالى لما ذكر القصص الكثيرة في هذه السورة ذكر في هذه الآية نوعين من الفائدة :

                                                                                                                                                                                                                                            الفائدة الأولى : تثبيت الفؤاد على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى ، وذلك لأن الإنسان إذا ابتلي بمحنة وبلية فإذا رأى له فيه مشاركا خف ذلك على قلبه ، كما يقال : المصيبة إذا عمت خفت ، فإذا سمع الرسول هذه القصص ، وعلم أن حال جميع الأنبياء صلوات الله عليهم مع أتباعهم هكذا ، سهل عليه تحمل الأذى من قومه ، وأمكنه الصبر عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            والفائدة الثانية : قوله : ( وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي قوله : ( في هذه ) وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : في هذه السورة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : في هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : في هذه الدنيا ، وهذا بعيد غير لائق بهذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه لا يلزم من تخصيص هذه السورة بمجيء الحق فيها أن حال سائر السور بخلاف ذلك ، لاحتمال أن يكون الحق المذكور في هذه السورة أكمل حالا مما ذكر في سائر السور ، ولو لم يكن فيها إلا قوله : ( فاستقم كما أمرت ) لكان الأمر كما ذكرنا . ثم إنه تعالى بين أنه جاء في هذه السورة أمور ثلاثة : الحق والموعظة والذكرى .

                                                                                                                                                                                                                                            أما الحق : فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الذكرى : فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال الباقية الصالحة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الموعظة : فهي إشارة إلى التنفير من الدنيا وتقبيح أحوالها في الدار الآخرة ، والمذكرة لما هنالك من السعادة والشقاوة ، وذلك لأن الروح إنما جاء من ذلك العالم إلا أنه لاستغراقه في محبة الجسد في هذا العالم نسي أحوال ذلك العالم ، فالكلام الإلهي يذكره أحوال ذلك العالم ، فلهذا السبب صح إطلاق لفظ الذكر عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم ههنا دقيقة أخرى عجيبة : وهي أن المعارف الإلهية لا بد لها من قابل ومن موجب ، وقابلها هو القلب ، والقلب ما لم يكن كامل الاستعداد لقبول تلك المعارف الإلهية والتجليات القدسية ، لم يحصل الانتفاع بسماع الدلائل ، فلهذا السبب قدم الله تعالى ذكر إصلاح القلب ، وهو تثبيت الفؤاد ، ثم لما ذكر صلاح حال القابل ، أردفه بذكر الموجب ، وهو مجيء هذه السورة المشتملة على الحق والموعظة والذكرى ، وهذا الترتيب في غاية الشرف والجلالة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية