الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 143 ] 305 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبق بما لا يكون

1880 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال : هذه بتلك .

[ ص: 144 ]

1881 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان ، قال : حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الآخرة ، حتى إذا كنا بالأثيل عند الصفراء انصرفت لبعض حاجتي ونكبت عن الطريق ، فبينا أنا كذلك إذا راكب يضرب ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففرغت من حاجتي ، ثم جئت فقال : تعالي أسابقك ، قالت : فأرمي بدرعي خلف ظهري ثم أجعل طرفه في حجزتي ، ثم خططت خطا برجلي ، ثم قلت تعال نقوم على هذا الخط فنظر في وجهي فكأنه عجب فقمنا على ذلك الخط ، قال قلت : اذهب ، قال اذهبي فخرجنا فسبقني وخرج بين يدي فقال هذه بيوم ذي المجاز ، فتذكرت ما يوم ذي المجاز فذكرت أنه جاء وأنا جارية يتبعني أبي ، وكان في يدي شيء فسألنيه ، فمنعته فذهب يتعاطاه ، ففررت فخرج في أثري ، فسبقته ودخلت البيت ، [ ص: 145 ] ففي هذا الحديث إباحة السبق على الأقدام . وقد روي عن سلمة بن الأكوع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى .

1882 - ما قد حدثني محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه قال : قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية فأردفني راجعين إلى المدينة على ناقته العضباء ، فلما كان بيننا وبين المدينة وكزة وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا فقال هل من مسابق إلى المدينة - قالها مرارا وأنا ساكت - فقلت ما تكرم كريما ولا تهاب شريفا ، قال : لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله ائذن لي فلأسابقه ، قال : إن شئت فعلت فقلت : اذهب إليك فخرج يشتد وأطفر عن الناقة عدوا فربطت علي شرفا أو شرفين فسألته ما ربطت ؟ قال : استبقيت نفسي ثم إني غدوت حتى ألحقه ، فأصك [ ص: 146 ] بين كتفيه وقلت : سبقتك والله ، قال فنظر إلي فضحك .

وبه كان يقول محمد بن الحسن وقد ذهب قوم إلى خلاف ذلك ، وإلى أن لا مسابقة إلا في حافر أو خف ، واحتجوا في ذلك .

1883 - بما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن عباد بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا سبق إلا في حافر أو خف .

1884 - وبما حدثنا عبد الملك الرقي ، قال : حدثنا شجاع ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي الحكم الليثي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 147 ]

1885 - وبما قد حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة قال: أخبرني أبو الأسود ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي صالح مولى الجندعيين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل سبق إلا على خف أو حافر .

1886 - وبما حدثنا محمد أيضا ، قال : حدثنا أبي ، عن الليث . ( ح ) .

[ ص: 148 ] وبما حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثني الليث ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي عبد الله مولى الجندعيين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

1887 - وكما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثني أبو الحكم الليثي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله .

وذهب آخرون إلى خلاف ذلك أيضا ، فقالوا لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف ، واحتجوا في ذلك .

1888 - بما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع أخبره ، [ ص: 149 ] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف .

1889 - وما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1890 - وما قد حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، قال : حدثنا القعنبي ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1891 - وبما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عامر . ( ح ) .

وبما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر وعثمان بن عمر قالا : حدثنا ابن أبي ذئب ، ثم ذكر بإسناده مثله ، 1892

1892 - وبما قد حدثنا أحمد بن عمرو المكي الخلال ، قال : حدثنا ابن أبي عمر ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال أبو جعفر : ففي هذه ثلاثة أقوال قد قيلت في هذا الباب [ ص: 150 ] فذهب أهل المقالة الثانية وأهل المقالة الثالثة إلى الاحتجاج بما في رواياتهم التي احتجوا بها لقولهم من نفي النبي صلى الله عليه وسلم السبق إلا بما أباح في رواياتهم التي ذكرناها في الفصل الذي ذكرنا فيه قوليهم ، واحتج أهل المقالة الأولى على أهل هاتين المقالتين بحديثي عائشة ، فكان من حجة أهل هاتين المقالتين عليهم أن في آثارهم التي رووها من قوليهم ما يوجب نفي السبق بالأقدام ، فكان من حجة أهل المقالة الأولى عليهم أن ذلك إنما يكون كذلك لو وقفنا على أن ما في الآثار التي رووها مما ينفي السبق بالأقدام كان بعدما روته عائشة في ذلك ، وقد يجوز أن يكون ما روته عائشة في ذلك كان بعد ما في آثارهم فيكون ذلك لاحقا بما في آثارهم ، ومانعا أن يكون السبق إلا على الأقدام ، وعلى الحافر وعلى الخف وبالنصل ، ولا ينبغي إذ قد علمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة السبق بالأقدام أن ندفعه ، ولا أن نخرجه من سببه لما لم نعلم أنه دفعه ، ولا أخرجه منها ، فوجب بذلك استعمال ما قال أهل المقالة الأولى في هذا الباب ، إذ لم تقم عليهم حجة توجب دفع ما قالوه فيه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية