الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( قالوا ياأبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذا الكلام يدل على أن يعقوب عليه السلام كان يخافهم على يوسف ولولا ذلك وإلا لما قالوا هذا القول .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنهم لما أحكموا العزم ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف وفي غاية الشفقة عليه ، وكانت عادتهم أن يغيبوا عنه مدة إلى الرعي فسألوه أن يرسله معهم ، وقد كان عليه السلام يحب تطييب قلب يوسف فاغتر بقولهم وأرسله معهم . وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال صاحب الكشاف : " لا تأمنا " قرئ بإظهار النونين وبالإدغام بإشمام وبغير إشمام ، والمعنى لم تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخير به .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 78 ] المسألة الثانية : في ( يرتع ويلعب ) خمس قراءات :

                                                                                                                                                                                                                                            القراءة الأولى : قرأ ابن كثير بالنون ، وبكسر عين نرتع من الارتعاء ، ويلعب بالياء ، والارتعاء افتعال من رعيت ، يقال : رعت الماشية الكلأ ترعاه رعيا إذا أكلته ، وقوله " نرتع " الارتعاء للإبل والمواشي ، وقد أضافوه إلى أنفسهم ، لأن المعنى نرتع إبلنا ، ثم نسبوه إلى أنفسهم لأنهم هم السبب في ذلك الرعي ، والحاصل أنهم أضافوا الارتعاء والقيام بحفظ المال إلى أنفسهم لأنهم بالغون كاملون وأضافوا اللعب إلى يوسف لصغره .

                                                                                                                                                                                                                                            القراءة الثانية : قرأ نافع كلاهما بالياء وكسر العين من " يرتع " أضاف الارتعاء إلى يوسف بمعنى أنه يباشر رعي الإبل ليتدرب بذلك ، فمرة " يرتع " ومرة " يلعب " كفعل الصبيان .

                                                                                                                                                                                                                                            القراءة الثالثة : قرأ أبو عمرو وابن عامر " نرتع " بالنون وجزم العين ومثله نلعب . قال ابن الأعرابي : الرتع الأكل بشره ، وقيل : إنه الخصب ، وقيل : المراد من اللعب الإقدام على المباحات وهذا يوصف به الإنسان ، وأما " نلعب " فروي أنه قيل لأبي عمرو : كيف يقولون نلعب وهم أنبياء ؟ فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء ، وأيضا جاز أن يكون المراد من اللعب الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجابر : " فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك " وأيضا كان لعبهم الاستباق ، والغرض منه تعلم المحاربة والمقاتلة مع الكفار ، والدليل عليه قولهم : إنا ذهبنا نستبق ; وإنما سموه لعبا لأنه في صورته .

                                                                                                                                                                                                                                            القراءة الرابعة : قرأ أهل الكوفة كليهما بالياء وسكون العين ، ومعناه إسناد الرتع واللعب إلى يوسف عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            القراءة الخامسة : " يرتع " بالياء " ونلعب " بالنون وهذا بعيد ، لأنهم إنما سألوا إرسال يوسف معهم ليفرح هو باللعب لا ليفرحوا باللعب ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية