الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 343 ] كتاب الولاء الولاء نوعان : ولاء عتاقة ويسمى ولاء نعمة ، وسببه العتق على ملكه في الصحيح ، حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له ، وولاء موالاة وسببه العقد ، ولهذا يقال : ولاء العتاقة ، وولاء الموالاة ، والحكم يضاف إلى سببه ، والمعنى فيهما التناصر ، وكانت العرب تتناصر بأشياء وقرر النبي عليه الصلاة والسلام [ ص: 344 ] تناصرهم بالولاء بنوعيه ، فقال { : إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم } [ ص: 345 ] والمراد بالحليف مولى الموالاة ; لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف .

                                                                                                        قال : ( وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له ) لقوله عليه الصلاة والسلام { : الولاء لمن أعتق }; ولأن التناصر به فيعقله ، وقد أحياه معنى بإزالة الرق عنه فيرثه ويصير الولاء كالولاد ; ولأن الغنم بالغرم .

                                                                                                        وكذلك المرأة تعتق لما روينا { ومات معتق لابنة حمزة رضي الله عنهما عنها [ ص: 346 ] وعن بنت فجعل النبي عليه الصلاة والسلام المال بينهما نصفين }ويستوي فيه الإعتاق بمال وبغيره لإطلاق ما ذكرناه .

                                                                                                        قال : ( فإن شرط أنه سائبة فالشرط باطل والولاء لمن أعتق ) ; لأن الشرط مخالف للنص فلا يصح . .

                                                                                                        [ ص: 343 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 343 ] كتاب الولاء

                                                                                                        الحديث الأول : { قال عليه السلام : إن مولى القوم منهم ، وحليفهم منهم }; قلت : روي من حديث رفاعة بن رافع الزرقي ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث عمرو بن عوف ; ومن حديث عتبة بن غزوان .

                                                                                                        فحديث رفاعة بن رافع : رواه أحمد في " مسنده " ، وابن أبي شيبة في " مصنفه في كتاب الأدب " حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مولى القوم منهم ، وابن أختهم منهم ، وحليفهم منهم }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق ابن أبي شيبة ، رواه الطبراني في " معجمه " ، ورواه الحاكم في " المستدرك في تفسير سورة الأنفال " ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى . ورواه البخاري في " كتابه المفرد في الأدب " حدثنا عمرو بن خالد الحراني ثنا زهير ثنا عبد الله بن عثمان به ، وذكر فيه قصة ; ولفظه { : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : اجمع لي قومك ، فجمعهم ، فلما حضروا باب النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر ، فقال : قد جمعت لك قومي ، فسمع ذلك الأنصار ، [ ص: 344 ] فقالوا : قد نزل في قريش الوحي ، فجاء المستمع ، والناظر ، ما يقال لهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقام بين أظهرهم ، فقال : هل فيكم من غيركم ؟ قالوا : نعم ، فينا حليفنا ، وابن أختنا ، وموالينا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حليف القوم } ، إلى آخره . ورواه أحمد أيضا حدثنا عفان ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم به . وأما حديث أبي هريرة :

                                                                                                        فرواه البزار في " مسنده " حدثنا زريق بن السحت ثنا محمد بن عمر بن واقد عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : حليف القوم منهم ، وابن أختهم منهم }انتهى . وسكت عنه .

                                                                                                        وأما حديث عمرو بن عوف :

                                                                                                        فرواه الدارمي ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده { عمرو بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا معهم ، فدخل بينهم ، ثم قال : ادخلوا علي ، ولا يدخل علي إلا قرشي . قال : فتساللت فدخلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر قريش هل معكم أحد ليس منكم ؟ قالوا : يا رسول الله معنا ابن الأخت ، والمولى ، والحليف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أخت القوم منهم ، وحليفهم منهم ، ومولاهم منهم }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في " كتابه غريب الحديث " ، ثم قال : والحليف أيمان كانوا يتحالفونها على أن يلزم بعضهم بعضا انتهى . وأما حديث عتبة بن غزوان :

                                                                                                        فرواه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسن بن علي العمري ثنا عبد الملك بن بشير الشامي ثنا عمر أبو حفص ثنا عتبة بن إبراهيم بن عتبة بن غزوان عن أبيه { عن عتبة بن غزوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لقريش : هل فيكم من ليس منكم ؟ قالوا : ابن أختنا عتبة بن غزوان ، قال : ابن أخت القوم منهم ، وحليف القوم منهم }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن سعد في " الطبقات " ، أخبرنا محمد بن عمر الواقدي ثنا [ ص: 345 ] إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدي عن مصعب بن محمد بن شرحبيل عن محمد بن شرحبيل ابن حسنة عن عتبة بن غزوان ، فذكره . ورد بعض الناس هذا القول أعني التوارث بالحلف بقوله عليه السلام : { لا حلف في الإسلام } ، أخرجه مسلم في " آخر الفضائل " عن جبير بن مطعم .

                                                                                                        الحديث الثاني : { قال عليه السلام : الولاء لمن أعتق }; قلت : أخرجه الأئمة الستة { عن عائشة أنها لما اشترت بريرة اشترط أهلها أن ولاءها لهم ، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق }انتهى .

                                                                                                        أخرجه البخاري في " المكاتب " ، ومسلم ، وأبو داود في " العتق " ، والترمذي في " الولاء " ، والنسائي ، وابن ماجه في " الأحكام " ، وأخرج مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال { : أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها ، فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق }انتهى .

                                                                                                        قال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " : وأخرجه البخاري من حديث ابن عمر في " المكاتب وفي الفرائض " .

                                                                                                        الحديث الثالث : روي أنه { مات معتق لابنة حمزة عنها ، وعن بنت ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم : المال بينهما نصفين }; قلت : روي من حديث أمامة ابنة حمزة ; ومن حديث [ ص: 346 ] ابن عباس . فحديث أمامة :

                                                                                                        أخرجه النسائي ، وابن ماجه في " سننيهما في الفرائض " عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد { عن ابنة حمزة بن عبد المطلب ، قالت : مات مولى لي ، وترك ابنة له ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ولها النصف }انتهى . ثم أخرجه النسائي عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عتيبة { عن عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة أعتقت مملوكا لها ، فمات وترك ابنته ومولاته } ، الحديث . قال : وهذا أولى بالصواب من حديث ابن أبي [ ص: 347 ] ليلى ، وابن أبي ليلى كثير الخطإ انتهى . وابنة حمزة هذه اسمها أمامة ، صرح به الحاكم في " المستدرك " ، فرواه في " كتاب الفضائل " عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد ، وهو أخو أمامة بنت حمزة لأمها عن أخته أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب ، فذكره بلفظ النسائي ، وسكت عنه ، هكذا وقع في " المستدرك " اسمها أمامة ، قال ابن الأثير : وهو الصحيح .

                                                                                                        وقال ابن عساكر في " أطرافه " : إن لم تكن ابنة حمزة هذه أمامة ، فلا أدري من هي ، انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن { عبد الله بن شداد عن فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب ، قالت : مات مولى لي وترك ابنته ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ولها النصف }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في " معجمه " ، ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عبد الله بن إدريس ثنا أبو إسحاق الشيباني عن عبيد بن أبي الجعد عن عبد الله بن شداد عن فاطمة بنت حمزة ، فذكره ، هكذا وجدته في هذين الكتابين : اسمها فاطمة ، والله أعلم .

                                                                                                        ورواه أبو داود في " المراسيل " عن شعبة عن الحكم { عن عبد الله بن شداد ، قال : أتدرون ما ابنة حمزة ؟ كانت أختي لأمي ، وأنها لأعتقت مملوكا لها ، فتوفي ، وترك ابنته ومولاته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه بينهما نصفين }انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن شداد ، فذكره ، قال الثوري : وأخبرني ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور بن حيان عن عبد الله بن شداد ، فذكره .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس : فأخرجه الدارقطني في " سننه في الفرائض " عن سليمان بن داود المنقري ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد { عن ابن عباس [ ص: 348 ] أن مولى لحمزة توفي وترك ابنته ، وابنة حمزة ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف ، ولابنة حمزة النصف }انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : وسليمان بن داود هذا هو الشاذكوني . وقد ضعفوه ، وكذبه ابن معين ، وغيره ; وقال أبو حاتم : متروك الحديث ; وقال البخاري : هو عندي أضعف من كل ضعيف انتهى . وفي هذا المتن أن المولى لحمزة ، وفي متن النسائي أن المولى لابنته ، وأنها التي أعتقته ، فالله أعلم ; وفي " مراسيل أبي داود " عن إبراهيم قال { : توفي مولى لحمزة بن عبد المطلب ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنت حمزة النصف ، وقبض النصف } ، انتهى . وهذا مخالف لما تقدم .




                                                                                                        الخدمات العلمية