الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5 ] قوله تعالى : والوالدات الآية

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج وكيع , وسفيان , وعبد الرزاق ، وآدم ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في " ناسخه " ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والبيهقي في " سننه " ، عن مجاهد في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن قال : المطلقات حولين قال : سنتين ، لا تضار والدة بولدها يقول : لا تأبى أن ترضعه ضرارا لتشق على أبيه ، ولا مولود له بولده يقول : ولا يضار الوالد بولده ، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك ، وعلى الوارث قال : يعني الولي من كان ، مثل ذلك قال : النفقة بالمعروف وكفله ورضاعه إن لم يكن للمولود مال , وأن لا تضار أمه ، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال : غير مسيئين في ظلم أنفسهما , ولا إلى صبيهما فلا جناح عليهما ، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم قال : خيفة الضيعة على الصبي , فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قال : حساب ما أرضع به الصبي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 6 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن قال : هو الرجل يطلق امرأته , وله منها ولد فهي أحق بولدها من غيرها , فهن يرضعن أولادهن ، لمن أراد أن يتم الرضاعة يعني يكمل الرضاعة ، وعلى المولود له يعني الأب الذي له ولد ، رزقهن يعني رزق الأم ، لا تكلف نفس إلا وسعها يقول : لا يكلف الله نفسا في نفقة المراضع إلا ما أطاقت ، لا تضار والدة بولدها يقول : لا يحمل الرجل امرأته أن يضارها , فينتزع ولدها منها , وهي لا تريد ذلك ، ولا مولود له بولده يعني : الرجل . يقول : لا يحملن المرأة إذا طلقها زوجها أن تضاره فتلقي إليه ولده مضارة له ، فإن أرادا فصالا يعني : الأبوين ؛ أن يفصلا الولد عن اللبن دون الحولين , عن تراض منهما يقول : اتفقا على ذلك ، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم يعني : لا حرج على الإنسان أن يسترضع لولده ظئرا , ويسلم لها أجرها، إذا سلمتم لأمر الله ؛ يعني في أجر المراضع ما آتيتم بالمعروف يقول : ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها، واتقوا الله يعني : لا تعصوه . ثم حذرهم فقال : [ ص: 7 ] واعلموا أن الله بما تعملون بصير . يعني : بما ذكر عليم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه ، عن أبي أمامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " . . . ثم انطلق بي، فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات ، فقلت : ما بال هؤلاء ؟ قال : هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في " ناسخه " ، عن زيد بن أسلم في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن قال : إنها المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر , والحاكم , والبيهقي في " سننه " عن ابن عباس ، في التي تضع لستة أشهر أنها ترضع حولين كاملين , وإذا وضعت لسبعة أشهر , أرضعت ثلاثة وعشرين شهرا لتمام ثلاثين شهرا , وإذا وضعت لتسعة أشهر , أرضعت أحدا وعشرين شهرا , ثم تلا : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , عن ابن عباس في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين فجعل الله الرضاع حولين [ ص: 8 ] كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، ثم قال : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما فلا حرج إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم , والبيهقي , عن أبي الأسود الديلي , أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر , فهم برجمها ، فبلغ ذلك عليا , فقال : ليس عليها رجم , قال الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وستة أشهر , فذلك ثلاثون شهرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع , وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم , عن قائد ابن عباس قال : أتي عثمان بامرأة ولدت في ستة أشهر , فأمر برجمها، فقال ابن عباس : إنها إن تخاصمك بكتاب الله تخصمك، يقول الله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين . ويقول الله في آية أخرى : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فقد حملته ستة أشهر، فهي ترضعه لكم حولين كاملين . فدعا بها عثمان، فخلى سبيلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من وجه آخر، من طريق الزهري مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الزهري قال : سئل [ ص: 9 ] ابن عمر وابن عباس عن الرضاع بعد الحولين فقرأ : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ولا نرى رضاعا بعد الحولين يحرم شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى قال : سمعت ابن عباس يقول : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال : لا رضاع إلا في هذين الحولين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وصححه، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عدي والدارقطني، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، والبيهقي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " ، وابن عدي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يتم بعد حلم، ولا رضاع بعد فصال، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا وصال في الصيام، ولا نذر في معصية، ولا يمين في [ ص: 10 ] قطيعة رحم ، ولا تغرب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا يمين لزوجة مع زوج، ولا يمين لولد مع والد، ولا يمين لمملوك مع سيده، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي داود في " المصاحف " عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله : ( لمن أراد أن يكمل الرضاعة ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف قال : على قدر الميسرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في " ناسخه " ، وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم في قوله : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه، وليس له أن يضارها فينتزع منها ولدها وتحب أن ترضعه، وعلى الوارث قال : هو ولي الميت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء، وإبراهيم والشعبي : وعلى الوارث مثل ذلك . قالوا : وارث الصبي ينفق عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 11 ] وأخرج عبد بن حميد عن الحسن : وعلى الوارث مثل ذلك قال : كان يلزم الوارث النفقة ، وفي لفظ : نفقة الصبي إذا لم يكن له مال على وارثه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة : وعلى الوارث مثل ذلك . يقول : على وارث المولود إذا كان المولود لا مال له مثل الذي على والده من أجر الرضاع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله : وعلى الوارث مثل ذلك ؟ قال : وارث المولود مثل ما ذكر الله . قلت : أيحبس وارث المولود إن لم يكن للمولود مال بأجر مرضعته ، وإن كره الوارث ؟ قال : أفيدعه يموت؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد , عن ابن سيرين ، أن امرأة جاءت تخاصم في نفقة ولدها وارث ولدها إلى عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقضى بالنفقة من مال الصبي , وقال لوارثه : ألا ترى : وعلى الوارث مثل ذلك ولو لم يكن له مال لقضيت بالنفقة عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : يجبر الرجل إذا كان موسرا على نفقة أخيه إذا كان معسرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال : يجبر على كل ذي رحم محرم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 12 ] وأخرج سفيان , وعبد الرزاق , وأبو عبيد في " الأموال " ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم , والنحاس في " ناسخه " , والبيهقي , عن سعيد بن المسيب , أن عمر بن الخطاب حبس بني عم على منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على وارث الصبي أن يسترضع له مثل ما على أبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير , والنحاس , عن قبيصة بن ذؤيب : وعلى الوارث مثل ذلك قال : هو الصبي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع عن عبد الله بن مغفل قال : رضاع الصبي من نصيبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر , من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس : وعلى الوارث مثل ذلك قال : نفقته حتى يفطم إن كان أبوه لم يترك له مالا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم , والبيهقي , من طريق مجاهد والشعبي , عن ابن عباس : وعلى الوارث مثل ذلك قال : ألا يضار .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 13 ] وأخرج ابن جرير عن الضحاك : فإن أرادا فصالا قال : الفطام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع , وسفيان , وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير , عن مجاهد في الآية قال : التشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى , وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير , عن عطاء : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم . قال : أمه أو غيرها , فلا جناح عليكم إذا سلمتم قال : إذا سلمت لها أجرها , ما آتيتم . قال : ما أعطيتم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا كان ذلك عن طيب نفس من الوالد والوالدة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية