الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وبعد هذا بين حال الذين ابيضت وجوههم فقال: [ ص: 1351 ] وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون أي أن الذين أشرقت نفوسهم بنور الحق، وأدركت قلوبهم معنى الإيمان، وذاقت حلاوته، في رحمة الله تعالى، ورحمة الله تعالى تتسع لكل معاني النعيم المقيم، ورضوانه العظيم وهو أكبر الرحمة، ثم خصهم سبحانه بالخلود في هذا النعيم الذي لا يحد بحد، ولا يرسم برسم، ولا تبلغ العقول مداه، فقال سبحانه: " هم فيها خالدون " . أي: هم في الرحمة باقون دائمون.

                                                          ويجب التنبيه هنا إلى أمرين: أولهما: أنه ذكر بياض الوجوه قبل، ثم ذكر حال الذين اسودت وجوههم قبل الذين ابيضت، ليختتم الآية برحمته، كما اختتم الآية السابقة ببيان من يفوز بهذه الرحمة.

                                                          الأمر الثاني: أنه سبحانه ذكر وصف الخلود في النعيم، ولم يثبت الخلود لمقابله، وقد صرح به في غير هذا الموضع، وذلك أيضا من باب الرحمة ورجاء التوبة. اللهم من علينا بهدايتك، وأنعم علينا بنعمة الإيمان الدائم، واشرح صدورنا لكل ما تأمر به، واصرفنا عما نهيت عنه، فإن القلوب بيدك وأنت مقلب القلوب. تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون [ ص: 1352 ] بعد أن بين سبحانه وتعالى ما كان من اليهود في ماضيهم، وكيف أضلهم الهوى، والعصبية العنصرية، ومنعتهم من أن يصل نور الحق إلى قلوبهم، حتى إنهم ليرون النور يمشي بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم، ومع ذلك يصمون آذانهم عن سماعه، ويحجبون أضواءه عن نفوسهم؛ ذكر سبحانه أنه بين ذلك في آياته ليعتبر من يعتبر، ولينتفع الحاضرون بنتائج ما وقع فيه الغابرون، فيستبصروا ويستبينوا ويتعظوا ويعتبروا، ولذا قال سبحانه:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية