الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل ولمن أي ولأمة ومبعضة عتقت كلها تحت رقيق كله الفسخ حكاه ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما إجماعا لا إن كان حرا وهو قول ابن عمر وابن عباس ; لأنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها خيار كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم فأما خبر الأسود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم { خير بريرة وكان زوجها حرا } رواه النسائي ، فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة " أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني المغيرة يقال له مغيث " رواه البخاري وغيره وهما أخص بها من الأسود ; لأنهما ابن [ ص: 673 ] أخيها وابن أختها . وكذا قال ابن عباس : " كان زوج بريرة عبدا أسود لبني المغيرة يقال له المغيث " رواه البخاري وغيره .

                                                                          قال أحمد : هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة : إنه عبد ، رواية علماء المدينة وعملهم ، وإذا روى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو أصح شيء ، وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده ، قال : والعقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه ، والحر فيه اختلاف ، والعبد لا اختلاف فيه ويخالف الحر العبد ; لأن العبد ناقص فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر .

                                                                          ( وإلا ) بأن لم تعتق كلها تحت رقيق كله بأن عتقت بعضها أو عتقت تحت حر أو مبعض فلا فسخ ( أو عتقا ) أي الزوجان ( معا ) بأن كانا لواحد فأعتقهما بكلمة واحدة أو كانا لاثنين فوكل أحدهما الآخر أو وكلا واحدا فأعتقهما بكلمة واحدة ( فلا ) فسخ ; لأنها لم تعتق كلها تحت رقيق كله ( فتقول ) العتيقة إن اختارت الفسخ ( فسخت نكاحي أو اخترت نفسي ) أو اخترت فراقه .

                                                                          ( و ) قولها ( طلقتها ) أي طلقت نفسي ( كناية عن الفسخ ) فينفسخ به نكاحها إن نوت به الفرقة ; لأنه يؤدي معنى الفسخ فصلح كونه كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق وليس فسخها نكاحها إن نوت به الفرقة طلاقا . لحديث { الطلاق لمن أخذ بالساق } وكما لو أرضعت من ينفسخ به نكاحها ولها الفسخ ( ولو متراخيا ) كخيار العيب ( ما لم يوجد منها ما يدل على رضا ) بالمقام معه روي عن ابن عمر وأخته حفصة .

                                                                          لحديث أبي داود " { إن بريرة عتقت وهي عند مغيث عبد لآل بني محمد ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها : إن قربك فلا خيار لك } وقال ابن عبد البر لا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفا من الصحابة ( ولا يحتاج ) نفوذ ( فسخها لحكم حاكم ) للإجماع وعدم احتياجه للاجتهاد كالرد بالعيب في البيع بخلاف خيار العيب في النكاح فإنه محل اجتهاد فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للإعسار .

                                                                          ( فإن عتق ) زوج عتيقة ( قبل فسخ ) بطل خيارها لزوال علته وهي الرق ( أو مكنته ) أي الرقيق العتيقة ( من وطئها أو ) من ( مباشرتها ونحوه ) كقبلتها ( ولو جاهلة عتقها أو ) جاهلة ( ملك الفسخ بطل خيارها ) لحديث الحسن عن عمرو بن أمية قال : سمعت رجالا يحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقت فإن وطئها فلا خيار لها } [ ص: 674 ] رواه أحمد . ولما تقدم في حديث أبي داود من قوله { فإن قربك فلا خيار لك } .

                                                                          وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن لها الخيار ما لم يمسها ويجوز لزوجها وطؤها بعد عتقها مع عدم علمها به ( ولبنت تسع أو ) بنت ( دونها إذا بلغتها ) أي تم لها تسع سنين الخيار ( ولمجنونة إذا عقلت الخيار ) لأنهما صارا على صفة لكل منهما حكم ، وكذا لو كان بزوجيهما عيب يوجب الفسخ فإن وطئهما زوجاهما فعلى ما سبق لا خيار لهما ; لانقضاء مدة الخيار ولا خيار لبنت دون تسع ولا لمجنونة ; لأنه لا قول لهما ( دون ولي ) مجنونة وبنت تسع أو أقل فلا خيار له ; لأن طريقه الشهوة فلا تدخله الولاية كالقصاص ( فإن طلقت ) من عتقت تحت عبد ( قبله ) أي الفسخ ( وقع ) الطلاق ; لأنه من زوج عاقل يملك العصمة فنفذ كما لو لم تعتق الزوجة ( وبطل خيارها إن كان ) الطلاق ( بائنا ) لفوات محله

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية