الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا )

يقول تعالى ذكره : أنزل على عبده القرآن معتدلا مستقيما لا عوج فيه لينذركم أيها الناس بأسا من الله شديدا ، وعنى بالبأس العذاب العاجل ، والنكال الحاضر والسطوة ، وقوله : ( من لدنه ) يعني : من عند الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ( لينذر بأسا شديدا ) عاجل عقوبة في الدنيا ، وعذابا في الآخرة . ( من لدنه ) : أي من عند ربك الذي بعثك رسولا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، بنحوه .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( من لدنه ) : أي من عنده .

فإن قال قائل : فأين مفعول قوله ( لينذر ) فإن مفعوله محذوف اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام عليه من ذكره ، وهو مضمر متصل ب ينذر قبل البأس ، كأنه قيل : لينذركم بأسا ، كما قيل : ( يخوف أولياءه ) [ آل عمران : 175 ] إنما هو : يخوفكم أولياءه .

وقوله : ( ويبشر المؤمنين ) يقول : ويبشر المصدقين الله ورسوله ( الذين يعملون الصالحات ) وهو العمل بما أمر الله بالعمل به ، والانتهاء عما نهى الله عنه ( أن لهم أجرا حسنا ) يقول : ثوابا جزيلا لهم من الله على إيمانهم بالله ورسوله ، وعملهم في الدنيا الصالحات من الأعمال ، وذلك الثواب : هو الجنة [ ص: 595 ] التي وعدها المتقون . وقوله : ( ماكثين فيه أبدا ) خالدين ، لا ينتقلون عنه ، ولا ينقلون ، ونصب ماكثين على الحال من قوله : ( أن لهم أجرا حسنا ) في هذه الحال في حال مكثهم في ذلك الأجر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا ) : أي في دار خلد لا يموتون فيها ، الذين صدقوك بما جئت به عن الله ، وعملوا بما أمرتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية