الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 40 ] وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن له عندنا لزلفى أي: لقربى في الدرجات، و: وحسن مآب أي: مرجع في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      روى الأثريون هنا قصصا مطولة ومختصرة، مؤتلفة ومختلفة. قال ابن كثير : وكلها متلقاة من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه، ولهذا كان في سياقها منكرات، وتقوية ابن حجر لبعض منها بأنه خرجه النسائي بإسناد قوي لا عبرة له، فليس المقام قاصرا على صحة السند فحسب لو كان ذلك في الصحيحين، فأنى بمروي غيرهما؟

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الرازي أن القصص المروية هنا هي لأهل الحشو من تأويلهم، وأما أهل التحقيق فلهم تأويلات، وقد ساقها فانظرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام ابن حزم : معنى قوله تعالى: فتنا سليمان أي: آتيناه من الملك ما اختبرنا به طاعته ، كما قال تعالى مصدقا لموسى عليه السلام في قوله: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء [ ص: 5105 ] إذ من الفتنة ما يهدي الله بها من يشاء، وقال تعالى: الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين فهذه الفتنة هي الاختبار حتى يظهر المهتدي من الضال، فهذه فتنة الله تعالى لسليمان ، إنما هي اختباره حتى ظهر فضله فقط، وما عدا هذا خرافات ولدها زنادقة اليهود وأشباههم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الجسد الملقى على كرسيه فقد أصاب الله تعالى به ما أراد. نؤمن بهذا كما هو، ونقول: ( صدق الله عز وجل، كل من عند الله ربنا ). ولو جاء نص صحيح في القرآن، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير هذا الجسد ما هو، لقلنا به، فإذا لم يأت بتفسيره ما هو نص ولا خبر صحيح، فلا يحل لأحد القول بالظن الذي هو أكذب الحديث في ذلك، فيكون كاذبا على الله عز وجل، إلا أننا لا نشك البتة في بطلان قول من قال إنه كان جنيا تصور بصورته، بل نقطع على أنه كذب، والله تعالى لا يهتك ستر رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الهتك، وكذلك نبعد في قول من قال إنه كان ولدا له، أرسله إلى السحاب ليربيه. فسليمان عليه السلام كان أعلم من أن يربي ابنه بغير ما طبع الله عز وجل بنية البشر عليه من اللبن والطعام. وهذه كلها خرافات موضوعة مكذوبة، لم يصح إسنادها قط. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم القاشاني أن حكاية الجني والخاتم مع سليمان ، هي من موضوعات حكماء اليهود، كسائر ما وضعت الحكماء في تمثيلاتهم من حكايات أبسال وسلامان .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخذ القاشاني في تأويلها، إلا أنه حل الإشكال بإشكال أعظم منه، عفا الله عنه، وقال قبل: إن صحت الحكاية في مطابقتها للواقع، كان قد ابتلي بمثل ما ابتلي به ذو النون ، وآدم عليهما السلام. انتهى، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية