الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله (تعالى): الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ؛ الآية؛ روي عن ابن عباس ؛ وقتادة ؛ وابن إسحاق أن الذين قالوا كانوا ركبا؛ وبينهم أبو سفيان ؛ ليحبسوهم عند منصرفهم من أحد؛ لما أرادوا الرجوع إليهم؛ وقال السدي : "هو أعرابي ضمن له جعلا على ذلك؛ فأطلق الله (تعالى) اسم الناس على الواحد؛ على قول من تأوله على أنه كان رجلا واحدا؛ فهذا على أنه أطلق لفظ العموم؛ وأراد به الخصوص".

قال أبو بكر : لما كان "الناس" اسما للجنس؛ وكان من المعلوم أن الناس كلهم لم يقولوا ذلك؛ تناول ذلك أقلهم؛ وهو الواحد منهم; لأنه لفظ الجنس؛ وعلى هذا قال أصحابنا فيمن قال: "إن كلمت الناس فعبدي حر ": إنه على كلام الواحد منهم; لأنه لفظ الجنس؛ ومعلوم أنه لم يرد به استغراق الجنس؛ فيتناول الواحد منهم؛ وقوله (تعالى): فاخشوهم فزادهم إيمانا ؛ فيه إخبار بزيادة يقينهم عند زيادة الخوف؛ والمحنة؛ إذ لم يبقوا على الحال الأولى؛ بل ازدادوا عند ذلك يقينا؛ وبصيرة في دينهم؛ وهو كما قال (تعالى) - في الأحزاب -: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ؛ فازدادوا عند معاينة العدو إيمانا وتسليما لأمر الله (تعالى)؛ والصبر على جهادهم؛ وفي ذلك أتم ثناء على الصحابة - رضي الله عنهم - وأكمل فضيلة؛ وفيه تعليم لنا أن نقتدي بهم؛ ونرجع إلى أمر الله (تعالى) والصبر عليه؛ والاتكال عليه؛ وأن نقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"؛ وأنا متى فعلنا ذلك أعقبنا ذلك من الله النصر؛ والتأييد؛ وصرف كيد العدو؛ وشرهم؛ مع حيازة رضوان الله (تعالى) وثوابه؛ بقوله (تعالى): فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ؛ وقوله (تعالى): ولا يحسبن الذين يبخلون [ ص: 334 ] بما آتاهم الله من فضله ؛ إلى قوله: سيطوقون ما بخلوا به ؛ قال السدي : "بخلوا أن ينفقوا في سبيل الله؛ وأن يؤدوا الزكاة"؛ وقال ابن عباس : "هو في أهل الكتاب؛ بخلوا أن يبينوه للناس"؛ وهو بالزكاة أولى؛ كقوله: والذين يكنزون الذهب والفضة ؛ إلى قوله: يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم ؛ وقوله (تعالى): سيطوقون ما بخلوا به ؛ يدل على ذلك أيضا.

وروى سهل بن أبي صالح عن أبيه؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاة كنزه؛ إلا جيء به يوم القيامة وبكنزه؛ فيحمى بها جبينه؛ وجبهته؛ حتى يحكم الله بين عباده"؛ وقال مسروق : "يجعل الحق الذي منعه حية؛ فيطوقها؛ فيقول: ما لي وما لك؟ فتقول الحية: أنا مالك "؛ وقال عبد الله : "يطوق ثعبانا في عنقه؛ له أسنان؛ فيقول: أنا مالك الذي بخلت به".

التالي السابق


الخدمات العلمية