الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( 16 ) )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض :

وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة ( وما يعبدون إلا الله ) يقول : وإذا اعتزلتم قومكم الذين يعبدون من الآلهة سوى الله ، ف " ما " إذ كان ذلك معناه في موضع نصب عطفا لها على الهاء ، والميم التي في قوله ( وإذ اعتزلتموهم )

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ) وهي في مصحف عبد الله : " وما يعبدون من دون الله " هذا تفسيرها .

وأما قوله : ( فأووا إلى الكهف ) فإنه يعني به :

فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمى بنجلوس ، ( ينشر لكم ربكم من رحمته ) يقول : يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رميتم به من الكافر دقينوس وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة .

وقوله : ( فأووا إلى الكهف ) جواب لإذ ، كأن معنى الكلام : وإذ اعتزلتم [ ص: 618 ] أيها القوم قومكم ، فأووا إلى الكهف ، كما يقال : إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه .

وقوله : ( ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ) يقول : وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغم والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا ، ويعني بالمرفق : ما ترتفقون به من شيء ، وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان : كسر الميم وفتح الفاء ، وفتح الميم وكسر الفاء ، وكان الكسائي ينكر في مرفق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم ، وكان الفراء يحكي فيهما ، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما ، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر :


بت أجافي مرفقا عن مرفقي



ويقول : كسر الميم فيه أجود .

وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله : ( من أمركم مرفقا ) شيئا ترتفقون به مثل المقطع ، ومرفقا جعله اسما كالمسجد ، ويكون لغة ، يقولون : رفق يرفق مرفقا ، وإن شئت مرفقا تريد رفقا ولم يقرأ .

وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك . فقرأته عامة قراء أهل المدينة : " ويهيئ لكم من أمركم مرفقا " بفتح الميم وكسر الفاء ، وقرأته عامة قراء العراق في المصرين ( مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان بمعنى واحد ، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء من أهل القرآن ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الذي اختار في قراءة ذلك : ( ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء ، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب ، وكذلك ذلك في كل ما ارتفق به من شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية