الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 162 ] 308 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

1904 - حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : حدثنا خلف بن هشام البزار ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو .

1905 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا إسحاق بن الفرات ، عن يحيى بن أيوب ، قال : قال يحيى بن سعيد : أخبرني نافع .

أن عبد الله بن عمر ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن [ ص: 163 ] إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو .

1906 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن جناد البغدادي ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله .

1907 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، قال : حدثنا مالك بن أنس .

وحدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .

1908 - وما قد حدثنا يزيد ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي وأبو [ ص: 164 ] صالح قالا : حدثنا الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ، قال : فكان في هذا الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، وفيه موصول بنهيه عن ذلك مخافة أن يناله العدو ، فاحتمل أن يكون ذلك من كلام ابن عمر ، أو من كلام نافع مولاه ، لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فكشفنا عن ذلك لنقف على حقيقة الأمر بتوفيق الله عز وجل .

1909 - فوجدنا المزني قد حدثنا قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ؛ فإني أخاف أن يناله العدو .

[ ص: 165 ] قال أبو جعفر : وكان أيوب عندنا والله أعلم ليس هو أيوب الذي روى شعبة عنه هذا الحديث عن نافع وإنما هو أيوب بن موسى الأموي ، والذي روى شعبة عنه هو أيوب السختياني .

1910 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن إسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ، فإني أخاف أن يناله العدو ، وقد توهم متوهم أن بين أبي إسحاق الفزاري وبين إسماعيل بن أمية في هذا الحديث سفيان الثوري وليس كما توهم إذ كنا قد وجدناه في غير رواية معاوية ، عن أبي إسحاق كما في رواية معاوية ، عن أبي إسحاق .

1911 - كما حدثنا محمد بن سنان الشيزري ، قال : حدثنا [ ص: 166 ] المسيب بن واضح ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن إسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم ، ثم ذكر بقية الحديث ، واحتملنا المسيب في هذا الحديث ، وإن كان أهل العلم بالإسناد يتكلمون فيه ليتحقق أن لا دخيل بين أبي إسحاق وبين إسماعيل في هذا الإسناد ، وكان ما في أحاديث أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم هذه مما قد تحقق عندنا أن الخوف الذي في هذه الأحاديث على القرآن أن يناله العدو حتى نهي عن السفر به إلى دارهم من أجله من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من سواه من رواة هذه الأحاديث .

وقد اختلف أهل العلم في السفر به إلى أرض العدو ؛ فذهب بعضهم إلى إباحة ذلك منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن .

كما حدثنا محمد بن العباس ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن [ ص: 167 ] محمد بن الحسن ، عن يعقوب ، عن أبي حنيفة ، ولم يحك خلافا بينهم ، وذهب بعضهم إلى كراهة ذلك ، وقد روي هذا القول عن مالك بن أنس ، وذهب محمد بن الحسن بأخرة في " سيره الكبير " إلى أنه إن كان مأمونا عليه من العدو فلا بأس بالسفر به إلى أرضهم وإن كان مخوفا عليه منهم فلا ينبغي السفر به إلى أرضهم ولم يحك هناك خلافا في ذلك بينه وبين أحد من أصحابه ، فاحتمل أن يكون ما في الرواية الأولى التي رويناها من إباحة السفر به إلى أرض العدو عند الأمان عليه من العدو ، وهذا القول أحسن ما قيل في هذا الباب ، والله تعالى نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية