الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا )

[ ص: 651 ] يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا ، ولا تتركن تلاوته ، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه ، والعمل بحلاله وحرامه ، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير من خالفه ، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم ( لا مبدل لكلماته ) يقول : لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك أهل معاصيه ، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك .

وقوله : ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) يقول : وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتم به ، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده ، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه ، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه ، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( ملتحدا ) قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( ملتحدا ) قال : ملجأ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ملتحدا ) قال : ملجأ .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) قال : موئلا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( ملتحدا ) قال : ملجأ ولا موئلا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : [ ص: 652 ] ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) قال : لا يجدون ملتحدا يلتحدونه ، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم ، والملتحد : إنما هو المفتعل من اللحد ، يقال منه : لحدت إلى كذا : إذا ملت إليه ، ومنه قيل للحد : لحد ، لأنه في ناحية من القبر ، وليس بالشق الذي في وسطه ، ومنه الإلحاد في الدين ، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية