الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ( 31 ) )

يقول تعالى ذكره : لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات عدن ، يعني بساتين إقامة في الآخرة ، ( تجري من تحتهم الأنهار ) يقول : تجري من دونهم ومن بين أيديهم الأنهار ،

وقال جل ثناؤه : من تحتهم ، ومعناه : من دونهم وبين أيديهم ، ( يحلون فيها من أساور ) يقول : يلبسون فيها من الحلي أساور من ذهب ، والأساور : جمع إسوار .

وقوله : ( ويلبسون ثيابا خضرا من سندس )

والسندس : جمع واحدها سندسة ، وهي ما رق من الديباج ، والإستبرق : ما غلظ منه وثخن ، وقيل : إن الإستبرق : هو الحرير ، ومنه قول المرقش :


ترهن يلبسن المشاعر مرة وإستبرق الديباج طورا لباسها



يعني : وغليظ الديباج .

وقوله : ( متكئين فيها على الأرائك ) يقول : متكئين في جنات عدن على الأرائك ، وهي السرر في الحجال ، واحدتها : أريكة ، ومنه قول الشاعر :


خدودا جفت في السير حتى كأنما     يباشرن بالمعزاء مس الأرائك



ومنه قول الأعشى :


بين الرواق وجانب من سترها     منها وبين أريكة الأنضاد

[ ص: 18 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( على الأرائك ) قال : هي الحجال . قال معمر ، وقال غيره : السرر في الحجال .

وقوله : ( نعم الثواب ) يقول : نعم الثواب جنات عدن ، وما وصف جل ثناؤه أنه جعل لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( وحسنت مرتفقا ) يقول : وحسنت هذه الأرائك في هذه الجنان التي وصف تعالى ذكره في هذه الآية متكأ . وقال جل ثناؤه : ( وحسنت مرتفقا ) فأنث الفعل بمعنى : وحسنت هذه الأرائك مرتفقا ، ولو ذكر لتذكير المرتفق كان صوابا ، لأن نعم وبئس إنما تدخلهما العرب في الكلام لتدلا على المدح والذم لا للفعل ، فلذلك تذكرهما مع المؤنث ، وتوحدهما مع الاثنين والجماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية