الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (38) قوله تعالى : هنالك دعا : "هنا " هو الاسم واللام للبعد والكاف حرف ، وهو وزان "ذلك " ، وهو منصوب على الظرف المكاني بـ "دعا " ، أي : في ذلك المكان الذي رأى فيه ما رأى من أمر مريم ، وهو ظرف لا سوء بل يلزم النصب على الظرفية ، وقد يجر بـ "من " و "إلى " قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 148 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1250 - قد وردت من أمكنه من ها هنا ومن هنه



                                                                                                                                                                                                                                      وحكمه حكم "ذا " من كونه يجرد من حرف التنبيه ومن الكاف واللام نحو : هنا ، وقد تصحبه "ها " التنبيه نحو : ها هنا ، ومع الكاف قليلا نحو : "ها هناك " ، ويمتنع الجمع بين ها واللام . وأخواته : هنا بتشديد النون مع فتح الهاء وكسرها ، وثم بفتح الثاء ، وقد يقال هنت ، ولا يشار بهذه إلا للبعيد خاصة ، ولا يشار بهنالك وما ذكر معه إلا للأمكنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد زعم بعضهم أن "هناك " و "هنالك " و "هنا " للزمان ، فمن ورود "هنالك " بمعنى الزمان عند بعضهم هذه الآية أي : في ذلك الزمان ، ومثله : هنالك ابتلي المؤمنون ومنه قول زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      1251 - هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أنه على مكانيته . ومن ورود "هناك " قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1252 - وإذا الأمور تعاظمت وتشابهت     فهناك يعترفون أين المفزع



                                                                                                                                                                                                                                      ومن ورود هنا قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1253 - حنت نوار ولات هنا حنت     وبدا الذي كانت نوار أجنت



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 149 ] لأن "لات " لا تعمل إلا في الأحيان ، وفي البيت كلام أطول من هذا . وفي عبارة السجاوندي أن "هناك " في المكان و "هنالك " في الزمان ، وهو سهو ، لأنها للمكان سواء تجردت أم اتصلت بالكاف واللام معا أم بالكاف دون اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : من لدنك يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أن يتعلق بـ "هب " وتكون "من " لابتداء الغاية مجازا أي : هب لي من عندك ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه في الأصل صفة لذرية ، فلما قدم عليها انتصب حالا . وقد تقدم الكلام على لدن وأحكامها ولغاتها . وقوله : سميع الدعاء مثال مبالغة محول من "سامع " وليس بمعنى "مسمع " لفساد المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : طيبة إن أراد بـ "ذرية " الجنس فيكون التأنيث في "طيبة " باعتبار تأنيث الجماعة ، وإن أراد به ذكرا واحدا فالتأنيث باعتبار اللفظ . قال : الفراء : "وأنث " طيبة "لتأنيث لفظ " الذرية "كما قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      1254 - أبوك خليفة ولدته أخرى     وأنت خليفة ، ذاك الكمال



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا فيما لم يقصد به واحد معين ، أما لو قصد به واحد معين امتنع اعتبار اللفظ نحو : طلحة وحمزة ، وقد جمع الشاعر بين التذكير والتأنيث في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1255 - فما تزدري من حية جبلية     سكات إذا ما عض ليس بأدردا



                                                                                                                                                                                                                                      لأن المراد بحية اسم الجنس لا واحد بعينه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية