الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ( 47 ) وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ( 48 ) )

يقول تعالى ذكره :

( ويوم نسير الجبال ) عن الأرض ، فنبسها بسا ، ونجعلها هباء منبثا ( وترى الأرض بارزة ) ظاهرة : وظهورها لرأي أعين الناظرين من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر هو بروزها .

وبنحو ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى "ح" ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وترى الأرض بارزة ) قال : لا خمر فيها ولا غيابة ولا بناء ، ولا حجر فيها .

حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وترى الأرض بارزة ) ليس عليها بناء ولا شجر .

وقيل : معنى ذلك : وترى الأرض [ ص: 37 ] بارزا أهلها الذين كانوا في بطنها ، فصاروا على ظهرها .

وقوله ( وحشرناهم ) يقول : جمعناهم إلى موقف الحساب ( فلم نغادر منهم أحدا ) ، يقول : فلم نترك ، ولم نبق منهم تحت الأرض أحدا ، يقال منه : ما غادرت من القوم أحدا ، وما أغدرت منهم أحدا ، ومن أغدرت قول الراجز :


هل لك والعارض منك عائض في هجمة يغدر منها القابض



وقوله : ( وعرضوا على ربك صفا ) يقول عز ذكره : وعرض الخلق على ربك يا محمد صفا .

( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) يقول عز ذكره : يقال لهم إذ عرضوا على الله : لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة ، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام .

وقوله : ( بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع ، والمراد منه الخصوص ، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل ، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث ، ومعلوم أنه لا يقال يومئذ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا ، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة ، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات ، والحشر إلى القيامة موعدا ، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذبا بالبعث وقيام الساعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية