الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          وهي على الفور ، فتسقط بتركها بلا عذر ، وإن أشهد وقت علمه فلا ، ثم إن أخر الطلب بعده مع إمكانه أو قدر على إشهاد عدل أو مستوري الحال أو أخبراه فلم يطلب تكذيبا أو قدر معذر على التوكيل فلم يفعله أو نسي المطالبة أو البيع أو جهلها أو ظن المشتري زيدا فبان غيره أو قال بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا أو جهلها حتى باع حصته فوجهان ، وكذا لو لم يشهد وبادر بمضي معتاد ( م 12 - 23 ) والأصح : [ ص: 539 ] لا يلزمه قطع حمام وطعام ونافلة ، ونقل ابن منصور : لا بد من طلبه حين يسمع حتى يعلم طلبه ، ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام ، وعنه : يختص بالمجلس ، [ ص: 540 ] اختاره الخرقي وابن حامد والقاضي وأصحابه ، وعنه : على التراخي ، كخيار عيب ، وتسقط بتكذيبه عدلين ، لا بدلالته في البيع ، ورضاه به ، [ ص: 541 ] وضمان ثمنه وتسليمه عليه ، والأصح : ولو دعا بعده له في صفقته أو بالمغفرة أو نحوه ، ولا بإسقاطها قبله ، وفيه رواية ولا بتوكيله فيه لأحدهما ، [ ص: 542 ] في الأصح ، وقيل : لوكيل بائع ، وقيل : عكسه ، ومثله وصي وحاكم .

                                                                                                          [ ص: 538 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 538 ] مسألة 12 ) قوله : وهي على الفور فتسقط بتركها بلا عذر ، فإن أشهد وقت علمه فلا ، ثم إن أخر الطلب بعده مع إمكانه أو قدر على إشهاد عدل أو مستوري [ ص: 539 ] الحال أو أخبراه فلم يطلب تكذيبا أو قدر معذور على التوكيل فلم يفعله أو نسي المطالبة أو البيع أو جهلها أو ظن المشتري زيدا فبان غيره أو قال بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا أو جهلها حتى باع [ حصته ] فوجهان ، وكذا لو لم يشهد وبادر بمضي معتاد ، انتهى .

                                                                                                          اشتمل كلامه على مسائل :

                                                                                                          ( المسألة الأولى 12 ) إذا أخر الطلب مع إمكانه وكان قد أشهد وقت علمه فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في النظم والرعايتين والفائق وشرح ابن منجى وغيرهم .

                                                                                                          ( أحدهما ) لا تسقط الشفعة بذلك ، وهو الصحيح ، نصره الشيخ والشارح ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، جزم به في الوجيز وغيره ، وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وشرح الحارثي وقال : هذا المذهب .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) تسقط ، إذا لم يكن عذر ، اختاره القاضي وابن عبدوس في تذكرته ، وهو احتمال في الهداية وغيرها .

                                                                                                          ( تنبيه )

                                                                                                          حكى الشيخ في المغني ومن تبعه أن السقوط قول القاضي ، قال الحارثي : ولم يحكه أحد عن القاضي سواه والذي عرفت من كلام القاضي خلافه ، ونقل كلام القاضي من كتبه ثم قال : والذي حكاه في المغني عنه إنما قاله في المجرد إذا لم يكن أشهد على الطلب وليس بالمسألة بنيت على ذلك أن يكون أصلا لنقل الوجه الذي أراده انتهى .

                                                                                                          [ ص: 540 ] المسألة الثانية 13 ) إذا قدر على إشهاد عدل فلم يشهده فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف فيه ، قال في المغني والشرح : وإن وجد عدلا فأشهده أو لم يشهده لم تسقط الشفعة ، قال الحارثي : وإن وجد عدلا واحدا ففي المغني إشهاده وترك إشهاده سواء ، قال : وهو سهو ، فإن شهادة الواحد معمول بها مع عين الطالب ، فيتعين اعتبارها ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : وهو الصواب ، فهذا المذهب ، أعني أنها تثبت بإشهاد عدل ، وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز .

                                                                                                          ( المسألة الثالثة 14 ) لو قدر على إشهاد مستوري الحال فلم يشهدهما فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في المغني والشرح وشرح الحارثي ( قلت ) قواعد المذهب تقتضي أنها لا تسقط بعدم إشهادهما ، لأن وجودهما كعدمهما شهادة ، لأن شهادة مستوري الحال لا تقبل ، على الصحيح من المذهب فهي كالفاسقة بالنسبة إلى عدم القبول ، لكن لندرة وجود العدلين ظاهرا وباطنا ينبغي أن يشهدهما ولو لم نقبلهما ، ولا تبطل شفعته ، والله أعلم .

                                                                                                          ( المسألة الرابعة 15 ) لو أخبره عدل واحد فلم يصدقه فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في المحرر .

                                                                                                          ( أحدهما ) تسقط ، وهو الصحيح ، جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم ، وقدمه في المغني والتلخيص والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا تسقط ، ذكره الآدمي والمجد ، وصححه الناظم ، وهما احتمالان للقاضي وابن عقيل قال في التلخيص بناء على اختلاف الروايتين في الجرح [ ص: 541 ] والتعديل ، أو الرسالة هل يقبل فيها خبر أم يحتاج إلى اثنين ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : الذي ظهر أنهما ليسا مبنيين على ذلك ، والصحيح من المذهب هناك أنه لا يقبل إلا اثنان ، وهنا الصحيح أنه يقبل واحد ، كما تقدم ، ويؤيده أن المصنف قال هناك : المذهب لا يقبل إلا اثنان قدمه في المحرر ، وهنا أطلق الخلاف هو وصاحب المحرر ، والله أعلم .

                                                                                                          ( المسألة الخامسة 16 ) لو أخبره مستورا الحال فلم يصدقهما فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف .

                                                                                                          ( أحدهما ) تسقط ، قدمه في الفائق .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا تسقط ، وهو ظاهر كلامه في الوجيز ( قلت ) : الصواب أن الحكم هنا كالحكم في إشهادهما ، على ما تقدم .

                                                                                                          ( المسألة السادسة 17 ) لو قدر معذور على التوكيل فلم يفعل فهل تسقط الشفعة بذلك أم لا ؟ أطلق الخلاف :

                                                                                                          ( أحدهما ) لا تسقط ، وهو الصحيح ، نصره صاحب المغني والشرح .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) تسقط ، اختاره القاضي .

                                                                                                          ( المسألة السابعة 18 ) لو نسي المطالبة أو البيع أو جهلها فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف .

                                                                                                          ( أحدهما ) تسقط ، وقال الشيخ في المغني : إذا ترك الطلب نسيانا أو البيع أو تركه جاهلا باستحقاقه سقطت شفعته ، وقدمه في الشرح ، وقاسه هو والشيخ في المغني على الرد بالعيب ، وفيه نظر .

                                                                                                          [ ص: 542 ] والوجه الثاني ) لا تسقط ( قلت ) : وهو الصواب ، قال الحارثي : وهو الصحيح ، قال : ويحسن بنا الخلاص على الروايتين في خيار المعتقة تحت العبد إذا أمكنته من الوطء جهلا بملكها الفسخ ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : الصحيح من المذهب سقوط خيار المعتقة بذلك .

                                                                                                          ( المسألة الثامنة 19 ) لو أخر الطلب جهلا بأن التأخير مسقط فإن كان مثله لا يجهله سقطت لتقصيره ، وإن كان مثله يجهله ، فقال في التلخيص : يحتمل وجهين انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) لا تسقط ، قال الحارثي : وهو الصحيح ، وجزم به في الرعاية والنظم والفائق وغيرهم ، وهو الصواب .

                                                                                                          والوجه الثاني تسقط .

                                                                                                          ( تنبيه )

                                                                                                          قد يقال إن هذه المسألة لم تدخل في كلام المصنف ، بل هو الظاهر ولكن ذكرناها لمجرد احتمال أنها داخلة في كلامه ، ولا يضرنا ذلك . والله أعلم .

                                                                                                          ( المسألة التاسعة 20 ) ولو ظن أن المشتري زيد فلم يطالب بها فبان غيره فهل تسقط الشفعة أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الرعاية الكبرى في موضع فقال : يحتمل وجهين :

                                                                                                          ( أحدهما ) لا تسقط ، وهو الصحيح ، جزم به في المغني والمقنع والشرح وشرح ابن منجى والحارثي والتلخيص والرعاية الصغرى والفائق وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم ، والرعاية الكبرى في موضع آخر .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) تسقط ، ولم أر من اختاره .

                                                                                                          ( تنبيه )

                                                                                                          في إطلاق المصنف الخلاف في هذه المسألة نظر ، مع قطع هؤلاء الجماعة بأحد القولين وعدم اختيار أحد للقول الآخر فيما اطلعنا عليه من الكتب .

                                                                                                          [ ص: 543 ] المسألة العاشرة 21 ) لو قلت بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا فهل تسقط الشفعة بذلك أم لا ؟ أطلق الخلاف وأطلقه في التلخيص والرعاية الكبرى .

                                                                                                          ( أحدهما ) تسقط ( قلت ) : وهو موافق لقواعد المذهب مع علمه .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا تسقط .

                                                                                                          ( المسألة الحادية عشرة 22 ) لو جهلها حتى باع فهل تسقط شفعته أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في المقنع والتلخيص والرعاية وشرح ابن منجى والفائق وغيرهم .

                                                                                                          ( أحدهما ) لا تسقط ، وهو الصحيح ، اختاره أبو الخطاب ، وابن عبدوس في تذكرته ، قال الحارثي : هذا أظهر الوجهين ، وصححه في التصحيح والنظم ، وجزم به في الوجيز وغيره ، وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) تسقط ، اختاره القاضي في المجرد .

                                                                                                          ( المسألة الثانية عشرة 23 ) لو لم يشهد ولكن بادر بمضي معتاد فهل تسقط الشفعة بذلك أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع والتلخيص والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والزركشي وغيرهم .

                                                                                                          ( أحدهما ) تسقط الشفعة ، وهو الصحيح ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب واختاره الخرقي وابن عبدوس في تذكرته ، قال الحارثي : عليه أكثر الأصحاب ، وقدمه في شرحه والمغني والشرح ونصراه ، وجزم به في العمدة والوجيز وغيرهما .

                                                                                                          [ ص: 544 ] والوجه الثاني ) لا تسقط ، بل هي باقية ، قال القاضي : إن سار عقب علمه إلى البلد الذي فيه المشتري من غير إشهاد احتمل أن لا تبطل شفعته ، انتهى . وقطع به في المحرر والمنور ( قلت ) : وهو قوي .

                                                                                                          تنبيهان :

                                                                                                          ( أحدهما ) ظاهر ما حكاه المصنف من الخلاف في هذه وجهين وكذا حكاهما صاحب الهداية والمقنع وغيرهما من الأصحاب .

                                                                                                          وقال الحارثي عن حكاية الشيخ في المقنع لهما وجهين : إنما هما راويتان ، ثم قال : وأصل الوجهين في كلامه وكلام أبي الخطاب احتمالان أوردهما القاضي في المجرد ، والاحتمالان إنما أوردهما في الإشهاد على السير للطلب ، وذلك مغاير للإشهاد على الطلب حين العلم ، ولهذا قال في المقنع : ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه أي إمكان السير للطلب مواجهة فلا يصح إثبات الخلاف ، وإذ الطلب الأول متلقى عن الخلاف في الطلب الثاني .

                                                                                                          ( الثاني ) قوله : " وعنه يختص بالمجلس اختاره الخرقي " انتهى ليس هذا باختيار الخرقي ، بل ظاهر كلامه وجوب المطالبة ساعة يعلم ، فإنه قال : ومن لم يطالب بالشفعة في وقت علمه بالبيع فلا شفعة له ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية