الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        جلدة آدمي إذا وقعت في الماء القليل تفسده إذا كانت قدر الظفر والظفر لو وقع بنفسه لا يفسده ، الكافر الميت نجس قبل الغسل وبعده وكذلك الميت وعظم الآدمي نجس وعن أبي يوسف أنه طاهر والأذن المقطوعة والسن المقلوعة طاهرتان في حق صاحبهما ، وإن كانتا أكثر من قدر الدرهم وهذا قول أبي يوسف وقال محمد في الأسنان الساقطة إنها نجسة ، وإن كانت أكثر من قدر الدرهم وفي قياس قوله الأذن نجس وبه نأخذ وقال محمد في صلاة الأثر سن وقعت في الماء القليل يفسد وإذا طحنت وفي الحنطة لا تؤكل وعن أبي يوسف إن سنه طاهر في حقه حتى إذا أثبتها جازت الصلاة ، وإن أثبت سن غيره لا يجوز وقال بينهما فرق ، وإن لم يحضرني وسن الكلب والثعلب [ ص: 244 ] طاهرة وجلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار وماء فم الميت نجس بخلاف ماء فم النائم فإنه طاهر . ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة ولو استنجى بالماء ولم يمسحه في المنديل حتى فسا اختلف المشايخ فيه وعامة المشايخ على أنه لا يتنجس والمختار أنه يتنجس وكذا لو لم يستنج ولكن ابتل السراويل بالعرق أو بالماء ، ثم فسا وفي فتاوى قاضي خان ماء المطابق نجس قياسا وليس بنجس استحسانا وصورته إذا احترقت العذرة في بيت فأصاب ماء طابق ثوب إنسان لا يفسده استحسانا ما لم يظهر أثر النجاسة فيه وكذا الإصطبل إذا كان حارا وعلى كوته طابق ، أو بيت البالوعة إذا كان عليه طابق وتقاطر منه وكذا الحمام إذا أهريق فيه النجاسات فعرق حيطانها وكوتها وتقاطر وكذا لو كان في الإصطبل كوز معلق فيه ماء فترشح في أسفل الكوز في القياس يكون نجسا ; لأن البلة في أسفل الكوز صار نجسا ببخار الإصطبل وفي الاستحسان لا يتنجس ; لأن الكوز طاهر والماء الذي فيه طاهر فما ترشح منه يكون طاهرا ، إذا صلى ومعه فأرة أو هرة أو حية تجوز صلاته ، وقد أساء وكذلك مما يجوز التوضؤ بسؤره ، وإن كان في كمه ثعلب أو جرو كلب لا تجوز صلاته ; لأن سؤره نجس ، ثوب أصابه عصير ومضى على ذلك أيام جازت الصلاة فيه عند علمائنا ; لأنه لا يصير خمرا في الثوب ، والمسك حلال على كل حال يؤكل في الطعام ويجعل في الأدوية ولا يقال إن المسك دم ; لأنها ، وإن كانت دما فقد تغيرت فيصير طاهرا كرماد العذرة ، التراب الطاهر إذا جعل طينا بالماء النجس أو على العكس الصحيح أن الطين نجس أيهما ما كان نجسا ، وإذا بسط الثوب الطاهر اليابس على أرض نجسة مبتلة فظهرت البلة في الثوب لكن لم يصر رطبا ولا بحال لو عصر يسيل منه شيء متقاطر لكن موضع الندوة يعرف من سائر المواضع الصحيح أنه لا يصير نجسا ، وكذا لو لف الثوب النجس في ثوب طاهر والنجس رطب مبتل وظهرت ندوته في الثوب الطاهر لكن لم يصر بحال لو عصر يسيل منه شيء متقاطر لا يصير نجسا . ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية الفتوى على أن العبرة للطاهر أيهما كان في مسألة التراب الطاهر إذا جعل طينا بالماء النجس أو عكسه فهو مخالف لتصحيح قاضي خان المتقدم وفيها طير الماء مات فيه [ ص: 245 ] لا يفسده عند الإمام وفي غيره يفسده بالاتفاق وعليه الفتوى وفي السراج الوهاج غسالة الميت نجسة أطلق ذلك محمد في الأصل والأصح أنه إذا لم يكن على بدنه نجاسة يصير الماء مستعملا ولا يكون نجسا إلا أن محمدا إنما أطلق ذلك ; لأن بدن الميت لا يخلو عن نجاسة غالبا ودخان النجاسة إذا أصاب الثوب أو البدن فيه اختلاف والصحيح أنه لا ينجسه ، بيض ما لا يؤكل لحمه إذا انكسر على ثوب إنسان فأصابه من مائه ومحه فيه اختلاف منهم من قال : إنه نجس اعتبارا بلحم ما لا يؤكل ولبنه ; لأنه محرم الأكل وقيل هو طاهر اعتبارا ببيض الدجاجة الميتة . ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى وفي نجاسة القيء وماء البئر التي وقعت فيها فأرة وماتت روايتان وسؤر سباع الطير غليظة وغسالة النجاسة في المرات الثلاث غليظة على الأصح ، وإن كانت الأولى تطهر بالثلاث والثانية بالثنتين والثالثة بالواحدة . ا هـ .

                                                                                        وفيما عدا الأخيرة نظر بل الراجح التغليظ في القيء وماء البئر المتنجس ، وأما سؤر سباع الطير فليس بنجس أصلا بل هو مكروه ، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد فأرة ماتت في الخمر وتخللت طاب الخل في رواية هو الصحيح فأرة ماتت في السمن الجامد يقور ما حولها ويرمى ويؤكل الباقي ، فإن كان مائعا لا يؤكل ويستصبح به ويدبغ به الجلد والتشرب معفو عنه ، ودك الميتة يستصبح به ولا يدبغ به الجلد . ا هـ .

                                                                                        وفي عدة الفتاوى إذا وجد في القمقمة فأرة ولا يدري أهي فيها ماتت أم في الجرة أم في البئر تحمل على القمقمة . ا هـ .

                                                                                        وفي مآل الفتاوى ماء المطر إذا مر على العذرات لا ينجس إلا أن تكون العذرة أكثر من الأرض الطاهرة أو تكون العذرة عند الميزاب ، إذا فسا في السراويل وصلى معه قال بعضهم لا يجوز ; لأن في الريح أجزاء لطيفة فتدخل أجزاء الثوب وقيل إن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني كان يصلي من غير السراويل ولا تأويل لفعله إلا التحرز من الخلاف والفتوى أنه يجوز سواء كان السراويل رطبا وقت الفسوة أو يابسا ، إذا رأى على ثوب غيره نجاسة أكثر من قدر الدرهم يخبره ولا يسعه تركه ، جلد مرارة الغنم نجس ومرارته وبوله سواء عند محمد طاهر وعندهما نجس ومثانة الغنم حكمه حكم بوله حتى لا تجوز الصلاة معه إذا زاد على قدر الدرهم قطرة خمر وقعت في دن خل لا يحل شربه إلا بعد ساعة ولو صب كوز من خمر في دن من خل ولا يوجد له طعم ولا رائحة حل الشراب في الحال ، السلق والسلجم المطبوخ في رماد العذرة نجس عند أبي يوسف . ا هـ .

                                                                                        وإنما أكثرنا من هذه الفروع للحاجة إليها ولكون الطهارة من المهمات ولهذا ورد أن أول شيء يسأل عنه العبد في قبره الطهارة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : جلده الآدمي إذا وقعت في الماء القليل إلخ ) قال ابن أمير حاج وإن كان دونه لا يفسده صرح به غير واحد من أعيان المشايخ ومنهم من عبر بأنه إن كان كثيرا أفسده وإن كان قليلا لا يفسده وأفاد أن الكثير ما كان مقدار الظفر وأن القليل ما دونه ، ثم في محيط الشيخ رضي الدين تعليلا لفساد الماء بالكثير ; لأن هذا من جملة لحم الآدمي ، وقد بان من الحي فيكون نجسا إلا أن في القليل تعذر الاحتراز عنه فلم يفسد الماء لأجل الضرورة وفيه قبل هذا قال محمد عصب الميتة وجلدها إذا يبس فوقع في الماء لا يفسده ; لأن باليبس زالت عنه الرطوبة النجسة . ا هـ .

                                                                                        ومشى عليه في الملتقط من غير عزو إلى أحد فعلى هذا ينبغي تقييد جلد الآدمي الكثير في هذه المسألة بكونه رطبا ، ثم لا يخفى أن فساد الماء به بعد ذلك مقيد بكونه قليلا . ا هـ .

                                                                                        من كلام ابن أمير حاج ( قوله : وسن الكلب والثعلب طاهرة ) قال الخير الرملي تأمله مع قولهم ما أبين من الحي ولو سنا فإن مقتضاه نجاسة سن الكلب والثعلب هذا وفي القول بطهارته ونجاسة سن الآدمي بعد وأقول : في نجاسة السن إشكال هو أنه لا يخلو إما أن يكون عظما أو عصبا وكلاهما طاهر ، أما العظم بلا خلاف عندنا ، وأما العصب فعلى المشهور من المذهب وحكى في فتح القدير عدم الخلاف فيه وإن نظر فيه صاحب البحر والذي ينبغي أن يتحدا حكما فتأمل ذلك . ا هـ .

                                                                                        أقول : إشكاله غير وارد وما بحثه بقوله والذي إلخ موافق للمنقول عن ظاهر الرواية والتفرقة بينهما على غير ظاهر الرواية قال العلامة الحلبي في شرحه الكبير ، وأما الآدمي ، فإن كان سن نفسه تجوز الصلاة معه وإن زاد على قدر الدرهم عند أبي يوسف

                                                                                        وقال محمد لا تجوز إذا زاد على قدر الدرهم ، وإن كان سن غيره وزاد على قدر الدرهم لا تجوز بالاتفاق لكن هذا كله على القول بنجاسة السن على تقدير أنه طرف عصب وفي نجاسة العصب روايتان قاله في الكفاية قال فيها وعلى ظاهر المذهب وهو الصحيح لا خلاف في السن بين علمائنا أنه طاهر والخلاف بين أبي يوسف ومحمد على الرواية التي جاءت أن عظم الأسنان نجس . ا هـ . ومثله في الكافي . ا هـ .

                                                                                        فقط اندفع الإشكال بأنه مبني على إحدى الروايتين [ ص: 244 ] في العصب . ( قوله : والمختار أنه يتنجس ) سيأتي عن مآل الفتاوى أن الفتوى على خلافه ( قوله وليس بنجس استحسانا ) قال العلامة الحلبي والظاهر أن وجه الاستحسان فيه الضرورة لتعذر التحرز أو تعسره إذ لا نص ولا إجماع في ذلك ووجوه الاستحسان منحصرة في هذه الثلاثة وعلى هذا فلو استقطرت النجاسة فمائيتها نجسة بخلاف سائر أجزائها لانتفاء الضرورة فبقي القياس فيها بلا معارض وبه يعلم أن الذي يستقطر من دردي الخمر المسمى بالعرقي في ولاية الروم نجس حرام كسائر أصناف الخمر . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وكذا لو لف الثوب ) النجس إلى قوله لا يصير نجسا قال في المنية الأصح أنه لا يصير نجسا قال في شرحها ، كذا في الخلاصة وكثير ذكره من غير إشارة إلى خلاف وكأن وجهه القياس على ما يبقى من الرطوبة بعد العصر في المرة الثالثة بحيث لا يتقاطر بعد لو عصر لكن يرد أن قياسها على النداوة الباقية بعد العصر في المرة الأولى أولى لوجود النجاسة بكمالها في الثوب الذي سرت منه الرطوبة كما في الذي عصر أول مرة ويجاب بأن النجاسة إذا كانت ثابتة فزالت بالغسل والعصر شيئا فشيئا إلى حد النهاية فهي الرطوبة الباقية بعد عصر الثالثة يعفى عنها حينئذ وإذا لم تكن ثابتة فابتدأت بالثوب كما في مسألتنا فما دامت البداية مثل تلك النهاية في عدم التقاطر بالعصر يعفى عنها كما عفي هناك بخلاف ما بعد عصر الأولى والثانية فإنه ليس بنهاية فالحاصل قياس ابتداء النجاسة فيما هو طاهر على انتهائها فيما كان نجسا فليتأمل وإذا فهم هذا يجب أن يعلم أن وضع المسألة إنما هو في الثوب المبلول بالماء بخلاف المبلول بعين النجاسة كالبول ونحوه لأن النداوة حينئذ عين النجاسة وإن لم يقطر بالعصر كما لو عصر الثوب المبلول بالبول ونحوه حتى انقطع التقاطر منه فإنه لا يطهر وكما بعد العصر في المرة الأولى والثانية وكذا ينبغي أن تقيد المسألة أيضا بما إذا لم يظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة من لون أو ريح حتى لو كان المبلول متلونا بلون أو متكيفا بريح فظهر ذلك في الطاهر يجب أن يكون نجسا كما لو غسل ذلك النجس ولم يزل أثره ولم يبلغ حد المشقة حيث لا يحكم بطهارته فكذا هذا إلحاقا للبداية بالنهاية على ما مر هذا وقال الشيخ كمال الدين بن الهمام لا يخفى أنه قد يحصل ببل الثوب وعصره نبع رءوس صغار ليس لها قوة السيلان ليصل بعضها ببعض فتقطر بل تقر في مواضع نبعها ، ثم ترجع إذا حل الثوب ويبعد في مثله الحكم بطهارة الثوب مع وجود حقيقة المخالط فالأولى إناطة عدم النجاسة بعدم نبع شيء عند العصر ليكون مجرد نداوة لا بعدم التقاطر . ا هـ .

                                                                                        وقد نقل هذا الفرع المصنف في مسائل شتى آخر الكتاب وفي الوقاية والنقاية والدرر ومتن الملتقى ومتن التنوير والسراج الوهاج والبزازية وكلهم أطلقوه عن ذكر الخلاف .

                                                                                        ( قوله : فهو مخالف لتصحيح قاضي خان ) أقول : قد مشى في المنية على ما ذكره [ ص: 245 ] قاضي خان وقال شارحها وهو اختيار الفقيه أبي الليث وكذا روي عن أبي يوسف ذكره في الخلاصة وقيل العبرة للماء إن كان نجسا فالطين نجس وإلا فطاهر وقيل العبرة للتراب وقيل للغالب قال ابن الهمام والأكثر على أنه أيهما كان طاهرا فالطين طاهر . ا هـ .

                                                                                        وهو اختيار أبي نصر محمد بن سلام قال البزازي وهو قول محمد ، وقد ذكر أن الفتوى عليه . ا هـ .

                                                                                        ووجهه في الخلاصة بصيرورته شيئا آخر وهو توجيه ضعيف إذ يقتضي أن جميع الأطعمة إذا كان ماؤها نجسا أو دهنها أو نحو ذلك أن يكون الطعام طاهرا لصيرورته شيئا آخر ، وعلى هذا سائر المركبات إذا كان بعض مفرداتها نجسا ولا يخفى فساده فلله در الفقيه أبي الليث ودر قاضي خان حيث جعل قوله هو الصحيح مشيرا إلى أن سائر الأقوال لا صحة لها بل هي فاسدة ; لأن النتيجة تابعة لأخس المقدمتين . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وفيما عدا الأخيرة ) أي من المسائل الأربع التي في المجتبى . ( قوله : ومثانة الغنم حكمه حكم بوله ) قال الخير الرملي هذا لا يناسب قوله بعد ذلك لا تجوز الصلاة معه إذا زاد على قدر الدرهم إذ بول الغنم نجاسته مخففة والمثانة على قوله هذا مغلظة فلم يكن حكمه حكمها ولو فعل كما فعل أخوه في نهره حيث قال : واعلم أن الظاهر من إطلاقهم نجاسة شيء التغليظ كالأسآر النجسة وثوب الحية الذي لم يدبغ والدودة الساقطة من السبيلين على القول بأنها ناقضة وما أبين من الحي ولو سنا ومثانة الغنم ومرارته لكان أولى .




                                                                                        الخدمات العلمية