الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1511 [ ص: 165 ] ( 6 ) باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة

                                                                                                                        1483 - مالك عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم ; أنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي ، فجئتها وقد فقدت شاة من الغنم ، فسألتها عنها فقالت : أكلها الذئب فأسفت عليها ، وكنت من بني آدم فلطمت وجهها ، وعلي رقبة أفأعتقها ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( أين الله ؟ ) ) فقالت : في السماء ، فقال : ( ( من أنا ؟ ) ) فقالت : أنت رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( أعتقها ) ) .

                                                                                                                        [ ص: 166 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 166 ] 33954 - قال أبو عمر : أما الحديث الأول لمالك في هذا الباب ، عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عمر بن الحكم ، فهكذا رواه جماعة رواة ( ( الموطأ ) ) عن مالك كلهم قال فيه : ( ( عن عمر بن الحكم ) ) ، وهو غلط ، ووهم منه ، وليس في الصحابة رجل يقال : له عمر بن الحكم ، وإنما معاوية بن الحكم السلمي .

                                                                                                                        33955 - وكذلك قال فيه كل من روى هذا الحديث ، عن هلال هذا ، وهو هلال بن علي بن أبي ميمونة ، وأبو ميمونة اسمه أسامة ، فربما قال : هلال بن أسامة ، وربما قال : هلال بن أبي ميمونة ، ينسبونه كلهم إلى ذلك ، وربما قالوا : هلال بن علي بن أبي ميمونة ، وهو مولى عامر بن لؤي .

                                                                                                                        33956 - وأما معاوية بن الحكم ، فمعروف في الصحابة ، والحديث له محفوظ ، وقد يمكن أن يكون الغلط في اسمه جاء من قبل هلال شيخ مالك ، لا من مالك .

                                                                                                                        33957 - والدليل على ذلك رواية مالك في هذا الحديث ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن معاوية بن الحكم في غير ( ( الموطأ ) ) ولم يقل عمر بن الحكم ، وقال فيه معاوية بن الحكم ، إلا أن مالكا لم يذكر في روايته لهذا الحديث ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن معاوية بن الحكم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا قصة إتيان الكهان ، والطيرة ، لا غير ، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب .

                                                                                                                        [ ص: 167 ] 33958 - ورواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم ، قال : قلت : يا رسول الله ! إنا كنا حديثي عهد بجاهلية ، فجاء الله بالإسلام وإن رجالا منا يتطيرون ، وذكر الخبر في الطيرة ، وفي إتيان الكهان ، وفي الخط ، وفي كلامهم في الصلاة .

                                                                                                                        33959 - وقوله : ( ( بأبي هو وأمي ما ضربني ، وكهرني .

                                                                                                                        33960 - قال : ثم اطلعت غنيمة لي ترعاها جارية ، وساق الحديث إلى قوله : ( ( إنها مؤمنة ، فأعتقها ) ) .

                                                                                                                        33961 - وقد ذكرنا حديث الأوزاعي وغيره بالأسانيد الصحاح في ( ( التمهيد ) ) .

                                                                                                                        33962 - وأما قوله في هذا الحديث للجارية : أين الله ؟ ، فعلى ذلك جماعة أهل السنة ، وهم أهل الحديث ، ورواته المتفقهون فيه ، وسائر نقلته ، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه : الرحمن على العرش استوى [ طه : 5 ] وأن الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان ، وهو ظاهر القرآن في قوله عز وجل : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور [ الملك : 16 ] وبقوله عز وجل : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ فاطر : 10 ] وقوله : [ ص: 168 ] تعرج الملائكة والروح إليه [ المعارج : 4 ] .

                                                                                                                        33963 - ومثل هذا كثير في القرآن ، وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة عند ذكر حديث التنزيل بما لا معنى لتكراره هاهنا ، وزدنا ذلك بيانا في هذا الباب في ( ( التمهيد ) ) أيضا .

                                                                                                                        وليس في هذا الحديث معنى يشكل غير ما وصفنا .

                                                                                                                        33964 - ولم يزل المسلمون إذا دهمهم أمر يقلقهم فزعوا إلى ربهم ، فرفعوا أيديهم ، وأوجههم نحو السماء يدعونه ، ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه ، والله المستعان ، ومن قال بما نطق به القرآن ، فلا عيب عليه عند ذوي الألباب .

                                                                                                                        33965 - روينا أن أبا الدرداء أبطأ عن الغزو عاما ، فأعطى رجلا صرة فيها دراهم ، وقال : انطلق ، فإذا رأيت رجلا يسير مع القوم في ناحية عنهم في هيئة بذاذة فادفعها إليه .

                                                                                                                        قال : ففعل ، فرفع الذي أعطي الصرة رأسه إلى السماء ، وقال اللهم إنك لم تنس جريرا ، فاجعل جريرا لا ينساك .

                                                                                                                        قال : فرجع الرجل إلى أبي الدرداء ، وأخبره فقال أبو الدرداء : عرف الحق لأهله ، وأولى النعمة أهلها .

                                                                                                                        [ ص: 169 ] 33966 - وأما حديث مالك في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فجود لفظه يحيى ، ومن تابعه .

                                                                                                                        33967 - ورواه ابن القاسم ، وابن بكير بإسناده مثله ، إلا أنهما لم يذكرا : ( ( فإن كنت تراها مؤمنة ) ) ، قالا : ( ( يا رسول الله ! علي رقبة مؤمنة ، أفأعتق هذه ؟ ) )

                                                                                                                        33968 - وكذلك رواه ابن وهب ، عن يونس .

                                                                                                                        33969 - ومالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء ، فقال : يا رسول الله ! إن علي رقبة مؤمنة . . ) ) وساق الحديث .

                                                                                                                        33970 - وكذلك رواه معمر ، عن ابن شهاب .

                                                                                                                        33971 - ورواه القعنبي بإسناده مثله ، وحذف منه : ( ( إن علي رقبة مؤمنة ) ) ، وقال : إن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال : يا رسول [ ص: 170 ] الله ! أعتقها ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( أتشهدين . . ) ) وذكر الحديث .

                                                                                                                        33972 - وفائدة الحديث قوله : إن علي رقبة مؤمنة ، ولم يقله القعنبي ، إلا أن في الحديث ما يدل على المراد بقوله : أتشهدين بكذا .

                                                                                                                        33973 - ولم يختلف رواة ( ( الموطأ ) ) في إرسال هذا الحديث .

                                                                                                                        33974 - ورواه الحسين بن الوليد عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ حديث ( ( الموطأ ) ) سواء ، وجعله متصلا عن أبي هريرة مسندا .

                                                                                                                        33975 - ورواه الحسن هذا أيضا عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، إلا أنه زاد فيه عن المسعودي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( أعتقها ، فإنها مؤمنة ) ) .

                                                                                                                        33976 - وليس في ( ( الموطأ ) ) من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( فإنها مؤمنة ) ) ولكن فيه ما يدل على ذلك .

                                                                                                                        33977 - ورواه معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن رجل من الأنصار ، أنه جاء بأمة له سوداء ، فقال : يا رسول الله ! إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها . . ، وساق الحديث مثل رواية يحيى إلى آخرها .

                                                                                                                        33978 - وفي حديث مالك ، عن ابن شهاب في هذا الباب من الفقه : أن من شرط الشهادة التي لا يتم الإيمان إلا بها الإقرار بالبعث بعد الموت بعد شهادة أن لا إله [ ص: 171 ] إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

                                                                                                                        33979 - وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث بعد الموت ، فليس بمؤمن ، ولا مسلم ، ولا ينفعه ما شهد به . 33980 - وفي ذلك مع ما في القرآن من تأكيد الإقرار بالبعث بعد الموت ما يغني ويكفي .

                                                                                                                        33981 - ولا خلاف علمته فيمن جعل على نفسه رقبة مؤمنة نذرا لله أن يعتقها أنه لا يجزئ عنه إلا مؤمنة .

                                                                                                                        33982 - وكذلك لا يجزئ عند الجميع في كفارة قتل الخطأ إلا رقبة مؤمنة بشرط الله ذلك في نص كتابه هنالك .

                                                                                                                        33983 - واختلفوا في كفارة الظهار ، وكفارة الأيمان .

                                                                                                                        33984 - وقد ذكرنا ذلك في موضعه ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        33985 - واختلف العلماء فيمن عليه رقبة مؤمنة ، هل يجزئ فيها الصغير إن كان أبواه مؤمنين ؟ وهل يجزئ فيها من لم يصم ، ولا يصل ؟ :

                                                                                                                        33986 - فقالت طائفة : لا يجوز فيها إلا من صام ، وقالت : ذهب إلى هذا بعض من يقول : ( ( الإيمان قول وعمل ) ) .

                                                                                                                        33987 - وروى عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن [ ص: 172 ] أبي طلحة ، عن ابن عباس : وتحرير رقبة مؤمنة النساء : 92 ] قال : من عقل الإيمان ، وصام ، وصلى .

                                                                                                                        33988 - وروى وكيع عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة ، فلا يجزئ إلا من صام ، وصلى وما كان في القرآن من رقبة ليست مؤمنة ، فالصبي يجزئ .

                                                                                                                        33989 - وعبد الرزاق ، عن الثوري عن الأعمش ، عن إبراهيم مثله ، إلا أنه قال : قد صلى ، ولم يذكر الصيام ، وما لم يذكر مؤمنة ، فيجزئ ، وإن لم يصل .

                                                                                                                        33990 - عن الشعبي ، والحسن وقتادة مثل قول ابن عباس ، وإبراهيم .

                                                                                                                        33991 - وهو قول الثوري .

                                                                                                                        33992 - وروى الأشجعي ، عن الثوري أنه قال : لا يجزئ في كفارة القتل الصبي ، ولا يجزئ إلا من صام وصلى .

                                                                                                                        33993 - وقال عطاء بن أبي رباح : كل رقبة ولدت في الإسلام ، فهي تجزئ .

                                                                                                                        33994 - وكذلك قال الزهري ; قال الأوزاعي : سألت الزهري : أيجزئ عتق الصبي المرضع في كفارة الدم ؟ قال : نعم ; لأنه ولد على الفطرة ، وهو قول [ ص: 173 ] الأوزاعي .

                                                                                                                        33995 - وقال أبو حنيفة : إذا كان أحد أبويه مؤمنا جاز عتقه في كفارة القتل .

                                                                                                                        33996 - وهو قول الشافعي ، إلا أن الشافعي يستحب ألا يعتق في الكفارات إلا من يتكلم بالإيمان .

                                                                                                                        33997 - واختلف قول مالك ، وأصحابه على هذين القولين ، إلا أن مالكا يراعي إسلام الأب ، ولا يراعي إسلام الأم .

                                                                                                                        33998 - قال أبو عمر : أجمع علماء المسلمين أن من ولد بين أبوين مسلمين ، ولم يبلغ حد الاختيار ، والتمييز ، فحكمه حكم المسلم المؤمن في الوراثة ، والصلاة عليه ، ودفنه بين المسلمين ، وأن ديته - إن قتل - مثل دية أحدهم ، فدل ذلك أنه يجزئ في الرقاب المؤمنة ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية